موضوعياً يكون التقدّم تقدّماً مسؤولًا، يكون عبادة بحسب لغة الفقه، لوناً من العبادة، يكون لهم امتداد على الخط الطويل وانسجام مع الوضع العريض للكون، وأمّا حينما يكون التقدّم منفصلًا عن الوعي على ذلك المثل فهو تقدّم على أي حال، سير نحو اللَّه على أي حال، ولكنه تقدّم غير مسؤول على ما يأتي تفصيله.
إذن كلّ تقدّم هو تقدّم نحو اللَّه، حتى اولئك الذين ركضوا وراء سراب كما تحدثت الآية الكريمة، فإنّ هؤلاء الذين يركضون وراء السراب الاجتماعي، وراء المثل المنخفضة، هؤلاء حينما يصلون إلى هذا السراب لا يجدون شيئاً ويجدون اللَّه سبحانه وتعالى فيوفّيهم حسابهم، كما تتحدّث الآية الكريمة التي قرأناها فيما سبق.
واللَّه سبحانه وتعالى هو نهاية هذا الطريق ولكنه ليس نهاية جغرافية، ليس نهاية على نمط النهايات الجغرافية للطرق الممتدّه مكانياً. كربلاء مثلًا نهاية طريق ممتد بين النجف وكربلاء، كربلاء بمعناها المكاني نهاية جغرافية، ومعنى أ نّها نهاية جغرافية أ نّها موجودة على آخر الطريق، ليست موجودة على طول الطريق، لو أنّ إنساناً سار نحو كربلاء ووقف في نصف الطريق لا يحصل على شيء من كربلاء، لا يحصل على حفنة من تراب كربلاء إطلاقاً؛ لأنّ كربلاء نهاية جغرافية موجودة في آخر الطريق، ولكن اللَّه سبحانه وتعالى ليس نهاية على نمط النهايات الجغرافية، اللَّه سبحانه وتعالى هو المطلق، هو المثل الأعلى، أي المطلق الحقيقي العيني، وبحكم كونه هو المطلق، إذن هو موجود على طول الطريق أيضاً، ليس هناك فراغ منه، ليس هناك انحسار عنه، ليس هناك حدّ له. اللَّه سبحانه وتعالى هو نهاية الطريق ولكنه موجود أيضاً على طول الطريق، من وصل إلى نصف الطريق، من وصل إلى سرابه، فتوقف واكتشف أ نّه سراب، ماذا يجد؟