ففي المقام العلم الإجمالي المُدَّعى أحد طرفيه هو وجوب الحجّ، ولا بدّ له من طرفٍ آخر، فإن ادُّعي أنّ الطرف الآخر هو وجوب الوفاء بالدَين ففيه: أنّ المكلّف يحتمل عدم ثبوت التكليفين معاً، وذلك في فرض عدم ثبوت وجوب الوفاء واقعاً مع تنجّزه ظاهراً، فإنّه على هذا التقدير لا يكون كلا الحكمين ثابتاً.
أمّا وجوب الوفاء فلأ نّه مفروض العدم واقعاً. وأمّا وجوب الحجّ فلعدم تحقّق موضوعه- وهو المعذرية- من ناحية الدَين. وإذن فالمكلف يحتمل عدم ثبوت كلا التكليفين على بعض التقادير، فكيف يدّعى كونه عالماً بأحدهما على كلِّ تقدير؟!
والحاصل: أنّ فرض عدم وجوب الحجّ ليس هو فرض وجوب الوفاء واقعاً البتّة حتى يكون الأمر دائراً بينهما ويكون المكلف عالماً بأحدهما إجمالًا، بل فرض عدم وجوب الحجّ هو فرض عدم موضوعه، أي عدم المعذورية من ناحية الدَين، وتنجّزه، وهو أعمّ من كونه ثابتاً في الواقع، أوْ لا، فوجوب الوفاء بالدَين بوجوده الواقعي ليس طرفاً للعلم الإجمالي أصلًا، وإن ادّعي أنّ العلم الإجمالي المدّعى تشكيله في المقام أحد طرفيه وجوب الحجّ، والآخر هو وجوب الوفاء بالدَين، ولكن لا بوجوده الواقعي، بل بوجوده التنجّزي، بمعنى أنّ المكلف يعلم: إمّا بوجوب الحجّ، أو بتنجّز وجوب الوفاء بالدَين.
فيدفعه: أنّ التنجّز لا يعقل أن يكون طرفاً للعلم الإجمالي؛ لأنّ من شؤون الطرفية للعلم الإجمالي أن يكون مشكوكاً. ومن الواضح أنّ المنجِّزية لا يتصور فيها الشكّ؛ لأنّها ليست إلّاعبارةً عن إدراك العقل لإمكان العقاب على تقدير مخالفة التكليف وصحّته، وهذا ممّا لا يمكن التردّد فيه، فإنّ الاحتمال أمر وجداني، فإن احتمل العقل العقاب فالمنجّزية ثابتة جزماً، وإلّا فلا منجّزية جزماً.
وإذن فطرفيّة المنجّزية للعلم الإجمالي غير معقولة.