ولو كان ذلك علماً إجمالياً آخر كان المعلوم به سابقاً في الزمان أو في الرتبة على المعلوم بالعلم الإجمالي الأول، فلو علم بوقوع قطرة من دمٍ في أحد الإناءين، ثمّ علم بوقوع قطرةٍ اخرى من الدم في أحدهما المعيَّن، أو في إناء ثالث، ولكنّ ظرف القطرة المعلومة ثانياً أسبق من ظرف وقوع القطرة المعلومة أوَّلًا فلا ريب في أنّ العلم الإجمالي الثاني يوجب انحلال الأول؛ لسبق معلومه عليه.

ومن الواضح أنّ العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي- بالكسر- أو الطرف دائماً يكون المعلوم به متأخّراً عن المعلوم بالعلم الإجمالي بنجاسة الملاقَى- بالفتح- أو الطرف، فإنّ رتبة وجوب الاجتناب عن الملاقَى- بالفتح- أو الطرف سابقة على وجوب الاجتناب عن الملاقي- بالكسر-؛ لأنّ التكليف في الملِاقي إنّما جاء من قبل التكليف بالملاقَى، فلا أثر لتقدم زمان العلم وتأخّره بعدما كان المعلوم في أحد العلمين سابقاً رتبةً على المعلوم بالآخر، ففي أيّ زمانٍ يحدث العلم الإجمالي بنجاسة الملاقَى- بالفتح- أو الطرف يسقط العلم الإجمالي بنجاسة الملِاقي والطرف عن التأثير؛ لأنّه يتبيّن سبق التكليف بالاجتناب عن أحد طرفيه، وهو طرف الملاقَى- بالفتح-.

ويرد عليه أوَّلًا: أنّ التنجّز يدور مدار العلم؛ لأنّه من شؤونه، ولا معنى لحصوله في مرتبةٍ أو زمانٍ سابقين على العلم، إذ يكون من باب حصول المعلول قبل علّته، كما أفاده المحقّق العراقي في مقالاته‏[1]، فالمعلوم إنّما يتنجّز من حين العلم، وحينئذٍ فمجرّد سبق المعلوم بالعلم الأول لا يوجب كونه منجّزاً في ظرفه، بل كون المعلوم السابق منجّزاً من حين العلم به، فلا يعقل مانعية العلم الثاني عن تنجيز العلم الأول؛ لأنّه سابق بمعلومه على معلوم الأول، لا أ نّه سابق عليه‏

 

[1] مقالات الاصول 2: 249