دون أن تختلف حدوده ودائرته بالملاقاة يكون امتثاله موقوفاً على اجتناب الملاقي، وهذا المعنى يكون معقولًا ثبوتاً، ولا يرد عليه ما أوردناه على السراية.
إلّاأنّ هذا ليس من السراية بشيء، وليس من باب اتّساع النجاسة، ولا يصحّ التنظير له بما ذكره قدس سره من امتزاج المائع المتنجّس بغيره، إذ أفاد أنّ امتزاج المائع المتنجّس بغيره كما يوجب اتّساع النجاسة وانبساطها على الأجزاء كذلك الملاقاة توجب الانبساط واتّساع النجاسة، فلا يكون الملاقي فرداً آخر من النجس في قبال ما لاقاه، بل نجاسته بعينها هي نجاسته. فإنّ هذا صريح في أ نّه إنّما يتكلّم في المقام على السراية بمعناها الحقيقي، لا على دعوى كون الاجتناب عن الملاقي من مقتضيات الاجتناب عمّا لاقاه.
وقد عرفت أ نّه على المبنى المزبور للسراية وإن كانت نجاسة الملاقي بعينها نجاسة الملاقَى- بالفتح- إلّاأ نّه لا يعقل أن تنجّز النجاسة أو آثاراها بوجودها السعي وبدائرتها المنبسطة بالعلم الإجمالي؛ لأن المعلوم أصل النجاسة، لا جهة سعتها وشمولها لشيءٍ آخر، ولا مانع من التفكيك بين الجهتين في مقام التنجّز.
واتّضح بما سبق أنّ مجرّد العلم الإجمالي بنجاسة أحد إناءين لا ينجِّز نجاسة ملاقيه، فإن كان هناك وجه لتنجّز النجاسة في الملاقي فهو وقوعه بنفسه طرفاً لعلمٍ إجماليٍ آخر، إذ كما يعلم بنجاسة الإناء الأبيض أو الأصفر كذلك يعلم بنجاسة الثوب الملاقي للإناء الأبيض أو الإناء الأصفر، ولا إشكال في وجود هذا العلم الإجمالي.
والتحقيق: منجّزيته في سائر الموارد، المنتج لوجوب الاجتناب عن الملاقي عقلًا، إلّاأن المعروف بين الأساطين خلاف ذلك.
وقد ذكر لعدم تنجيز هذا العلم الإجمالي وجوه، بعضها يقتضي عدم تنجّز الملاقي مطلقاً، وبعضها يقتضي عدم تنجّزه في بعض الموارد، كما سنشير إليه: