وكان النائب يتّصل بالشيعة ويحمل أسئلتهم إلى الإمام، ويعرض مشاكلهم عليه، ويحمل إليهم أجوبته شفهيةً أحياناً، وتحريريةً في كثيرٍ من الأحيان، وقد وجدت الجماهير التي فقدت رؤية إمامها العزاء والسلوة في هذه المراسلات والاتّصالات غير المباشرة. ولاحظت أنّ كلّ التوقيعات والرسائل كانت ترد من الإمام المهدي عليه السلام بخطّ واحدٍ وسليقةٍ واحدةٍ طيلة نيابة النوّاب الأربعة التي استمرّت حوالي سبعين عاماً، وكان السَمَري هو آخر النوّاب، فقد أعلن عن انتهاء مرحلة الغيبة الصغرى التي تتميّز بنوّابٍ معيّنين، وابتداء الغيبة الكبرى التي لا يوجد فيها أشخاص معيّنون بالذات للوساطة بين الإمام القائد والشيعة، وقد عبَّر التحوّل من الغيبة الصغرى إلى الغيبة الكبرى عن تحقيق الغيبة الصغرى لأهدافها وانتهاء مهمّتها؛ لأنّها حصّنت الشيعة بهذه العملية التدريجية عن الصدمة والشعور بالفراغ الهائل بسبب غيبة الإمام، واستطاعت أن تكيّف وضع الشيعة على أساس الغيبة، وتعدّهم بالتدريج لتقبّل فكرة النيابة العامة عن الإمام، وبهذا تحوّلت النيابة من أفرادٍ منصوصين إلى خطٍّ عام، وهو خط المجتهد العادل البصير بامور الدنيا والدين؛ تبعاً لتحوّل الغيبة الصغرى إلى غيبةٍ كبرى.
والآن بإمكانك أن تقدّر الموقف في ضوء ما تقدم لكي تدرك بوضوحٍ أنّ المهديّ حقيقة عاشتها امّة من الناس، وعبَّر عنها السفراء والنوّاب طيلة سبعين عاماً من خلال تعاملهم مع الآخرين، ولم يَلْحظ عليهم أحدٌ كلّ هذه المدّة تلاعباً في الكلام، أو تحايلًا في التصرّف، أو تهافتاً في النقل.
فهل تتصوّر- بربِّك- أنّ بإمكان اكذوبةٍ أن تعيش سبعين عاماً ويمارسها أربعة على سبيل الترتيب كلّهم يتّفقون عليها، ويظلّون يتعاملون على أساسها وكأ نّها قضية يعيشونها بأنفسهم ويرونها بأعينهم دون أن يبدر منهم أيّ شي‏ءٍ يثير الشكّ، ودون أن يكون بين الأربعة علاقة خاصّة متميّزة تُتيح لهم نحواً من‏