المطاف ستمتلئ قسطاً وعدلًا بعد أن مُلِئت ظلماً وجوراً[1] يعطي لذلك الشعور قيمته الموضوعية ويحوِّله إلى إيمانٍ حاسمٍ بمستقبل المسيرة الإنسانية، وهذا الإيمان ليس مجرّد مصدر للسلوة والعزاء فحسب، بل مصدر عطاءٍ وقوة. فهو مصدر عطاء؛ لأنّ الإيمان بالمهديِّ إيمان برفض الظلم والجور حتى وهو يسود الدنيا كلّها، وهو مصدر قوةٍ ودفع لا تنضب؛ لأنّه بصيص نورٍ يقاوم اليأس في نفس الإنسان، ويحافظ على الأمل المشتعل في صدره مهما ادلهمّت الخطوب وتعملق الظلم؛ لأنّ اليوم الموعود يثبت أنّ بإمكان العدل أن يواجه عالماً مليئاً بالظلم والجور، فيزعزع ما فيه من أركان الظلم ويقيم بناءه من جديد، وأنّ الظلم مهما تجبّر وامتدّ في أرجاء العالم وسيطر على مقدّراته فهو حالة غير طبيعية ولا بدّ أن ينهزم. وتلك الهزيمة الكبرى المحتومة للظلم وهو في قمّة مجده تضع الأمل كبيراً أمام كلِّ فردٍ مظلوم وكلّ امةٍ مظلومةٍ في القدرة على تغيير الميزان وإعادة البناء.

[المهدي، من الفكرة إلى الواقع:]

وإذا كانت فكرة المهديّ أقدم من الإسلام وأوسع منه فإنّ معالمها التفصيلية التي حدّدها الإسلام جاءت أكثر إشباعاً لكلّ الطموحات التي انشدّت إلى هذه الفكرة منذ فجر التأريخ الديني، وأغنى عطاءاً وأقوى إثارةً لأحاسيس المظلومين والمعذَّبين على مرّ التأريخ؛ وذلك لأنّ الإسلام حوّل الفكرة من غيبٍ إلى واقع،

 

[1] ورد في الحديث الشريف:« لو لم يبقَ من الدهر إلّايومٌ لَبعَثَ اللَّهُ رجلًا من أهل بيتي يملؤها عدلًا كما مُلئت جوراً». راجع صحيح سنن المصطفى لأبي داود 2: 207، والتاج الجامع للُاصول للشيخ منصور علي ناصف 5: 343