ومن مستقبلٍ إلى حاضر، ومن التطلّع إلى منقذٍ تتمخّض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول إلى الإيمان بوجود المنقذ فعلًا، وتطلّعه مع المتطلّعين إلى اليوم الموعود، واكتمال كلّ الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم. فلم يعد المهديّ فكرةً ننتظر ولادتها، ونبوءةً نتطلّع إلى مصداقها، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليته، وإنساناً معيّناً يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويرانا، ويعيش مع آمالنا وآلامنا، ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا، ويشهد كلّ ما تزخر به الساحة على وجه الأرض من عذاب المعذّبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويكتوي بكلّ ذلك من قريبٍ أو بعيد، وينتظر بلهفةٍ اللحظة التي يُتاح له فيها أن يمدَّ يده إلى كلّ مظلوم وكلّ محروم وكلّ بائس ويقطع دابر الظالمين.
وقد قُدِّر لهذا القائد المنتظر أن لا يعلن عن نفسه، ولا يكشف للآخرين حياته على الرغم من أ نّه يعيش معهم انتظاراً للَّحظة الموعودة.
ومن الواضح أنّ الفكرة بهذه المعالم الإسلامية تُقرّب الهوّة الغيبية بين المظلومين كلّ المظلومين والمنقذ المنتظر، وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعورهم النفسي قصيراً مهما طال الانتظار.
ونحن حينما يراد منّا أن نؤمن بفكرة المهدي بوصفها تعبيراً عن إنسانٍ حيّ محدّدٍ يعيش فعلًا كما نعيش ويترقّب كما نترقّب يراد الإيحاء إلينا بأنّ فكرة الرفض المطلق لكلّ ظلمٍ وجورٍ التي يمثّلها المهدي تجسّدت فعلًا في القائد الرافض المنتظر، الذي سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم، كما في الحديث[1]، وأن
[1] ورد عنه عليه السلام أ نّه سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم. راجع الاحتجاج للطبرسي 2: 545