هذا الحديث قد سُجِّل عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قبل أن يتحقّق مضمونه وتكتمل فكرة الأئمّة الاثني عشر فعلًا، وهذا يعني أ نّه لا يوجد أيّ مجالٍ للشكّ في أن يكون نقل الحديث متأثّراً بالواقع الإماميّ الاثني عشري وانعكاساً له؛ لأنّ الأحاديث المزيّفة التي تنسب إلى النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم- وهي انعكاسات أو تبريرات لواقعٍ متأخّرٍ زمنيّاً- لا تسبق في ظهورها وتسجيلها في كتب الحديث ذلك الواقع الذي تشكّل انعكاساً له، فما دمنا قد ملكنا الدليل المادّي على أنّ الحديث المذكور سبق التسلسل التأريخي للأئمّة الاثني عشر، وضُبط في كتب الحديث قبل تكامل الواقع الإمامي الاثني عشري أمكننا أن نتأكّد من أنّ هذا الحديث ليس انعكاساً لواقع، وإنّما هو تعبير عن حقيقةٍ ربّانيةٍ نطق بها مَن لا ينطق عن هوى[1]، فقال: «إنّ الخلفاء بعدي اثنا عشر». وجاء الواقع الإمامي الاثني عشري ابتداءاً من الإمام عليّ وانتهاءاً بالمهدي؛ ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث النبويّ الشريف.
وأمّا الدليل العلمي:
فهو يتكوّن من تجربةٍ عاشتها امّة من الناس فترةً امتدّت سبعين سنةً تقريباً، وهي فترة الغَيبة الصغرى؛ ولتوضيح ذلك نمهِّد بإعطاء فكرةٍ موجزةٍ عن الغَيبة الصغرى.
إنّ الغَيبة الصغرى تُعبِّر عن المرحلة الاولى من إمامة القائد المنتظر عليه الصلاة والسلام، فقد قُدِّر لهذا الإمام منذ تسلّمه للإمامة أن يستتر عن المسرح العام، ويظلَّ بعيداً باسمه عن الأحداث وإن كان قريباً منها بقلبه وعقله، وقد لوحِظ أنّ هذه الغَيبة إذا جاءت مفاجئةً حقّقت صدمةً كبيرةً للقواعد الشعبية
[1] انظر قوله تعالى:« وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى». النجم: 3 و 4