فإذا أخذنا بوجهة النظر العلمية التي تتّجه إلى تفسير الشيخوخة والضعف الهرمي بوصفه نتيجة صراعٍ واحتكاكٍ مع مؤثّراتٍ خارجيةٍ معيّنةٍ، فهذا يعني أنّ بالإمكان نظرياً إذا عُزلت الأنسجة- التي يتكوّن منها جسم الإنسان- عن تلك المؤثّرات المعيّنة أن تمتدّ بها الحياة وتتجاوز ظاهرة الشيخوخة وتتغلّب عليها نهائياً.
وإذا أخذنا بوجهة النظر الاخرى التي تميل إلى افتراض الشيخوخة قانوناً طبيعياً للخلايا والأنسجة الحيّة نفسها، بمعنى أ نّها تحمل في أحشائها بذرة فنائها المحتوم، مروراً بمرحلة الهرم والشيخوخة وانتهاءاً بالموت، أقول: إذا أخذنا بوجهة النظر هذه فليس معنى هذا عدم افتراض أيِّ مرونةٍ في هذا القانون الطبيعي، بل هو- على افتراض وجوده- قانون مَرن؛ لأنّنا نجد في حياتنا الاعتيادية ولأنّ العلماء يشاهدون في مختبراتهم العلمية أنّ الشيخوخة- كظاهرةٍ فيسيولوجيةٍ لا زمنية- قد تأتي مبكِّرةً وقد تتأخّر ولا تظهر إلّافي فترةٍ متأخّرة، حتى أنّ الرجل قد يكون طاعناً في السنّ ولكنّه يملك أعضاءاً ليّنةً ولا تبدو عليه أعراض الشيخوخة، كما نصّ على ذلك الأطبّاء، بل إنّ العلماء استطاعوا عملياً أن يستفيدوا من مرونة ذلك القانون الطبيعي المفترض، فأطالوا عمر بعض الحيوانات مئات المرّات بالنسبة إلى أعمارها الطبيعية؛ وذلك بخلق ظروفٍ وعوامل تؤجّل فاعلية قانون الشيخوخة.
وبهذا يثبت علمياً أنّ تأجيل هذا القانون بخلق ظروفٍ وعوامل معيّنةٍ أمر ممكن علمياً، ولئن لم يُتَح للعلم أن يمارس فعلًا هذا التأجيل بالنسبة إلى كائنٍ معقّدٍ معيّنٍ كالإنسان، فليس ذلك إلّالفارق درجةٍ بين صعوبة هذه الممارسة بالنسبة إلى الإنسان وصعوبتها بالنسبة إلى أحياء اخرى. وهذا يعني أنّ العلم من الناحية النظرية وبقدر ما تشير إليه اتّجاهاته المتحرّكة لا يوجد فيه أبداً ما يرفض‏