الثاني هو فرض ملاقاة الماء القليل للمائع المتنجّس. والاستدلال بالرواية على عدم انفعال الماء القليل بملاقاة المتنجّس يمكن تقريبه بعدّة وجوه:
الأوّل: أن يُدَّعى استظهار اتّجاه السائل إلى حيثية القطرات المتساقطة، لا حيثية وقوع الحبل في الدلو؛ لأنّه وإن لم يصرّح بشيءٍ منها ولكن حيث إنّ تساقط القطرات أكثر وقوعاً من ملاقاة الحبل لماء الدلو- في فرضية السؤال- فينصرف السؤال إلى ذلك، فتكون الرواية بنفسها دليلًا على عدم الانفعال بملاقاة المتنجّس بعد الفراغ عن نجاسة شعر الخنزير.
الثاني: أن يقال: بأنّ السائل حيث لم ينصب قرينةً على اتّجاه سؤاله إلى إحدى الحيثيتين- وإنّما اتّجه بسؤاله إلى نفس ماء الدلو وجواز الوضوء به- فيتمسّك بإطلاق جواب الإمام عليه السلام بالنسبة إلى مصبّ السؤال، فيقال بأ نّه يجوز الوضوء بماء الدلو، سواء وقع فيه الحبل أم لا، وسواء تساقطت فيه القطرات أم لا.
فيكون الجواب دالًاّ على عدم انفعال الماء القليل، لا بملاقاة النجس ولابملاقاة المتنجّس. فيعارض مثل رواية سماعة الدالّة بإطلاقها على انفعال الماء باليد التي أصابها القذر، سواء بقي فيها أم لا؛ لأنّ رواية سماعة تدلّ بإطلاقها على الانفعال بالنجس والمتنجّس، ورواية زرارة تدل على عدم الانفعال بالنجس أو المتنجّس، وهذان متعارضان بنحو التباين. وبعد ذلك ندخل في الموقف الدليل الوارد في خصوص ملاقاة الماء القليل لعين النجس والدالّ على انفعاله بذلك، فنلاحظ أ نّه أخصّ مطلقاً من رواية زرارة، فيوجب تقييدها بما إذا لم يقع الحبل في ماء الدلو، ومعه تصبح رواية زرارة أخصَّ مطلقاً من مثل رواية سماعة، بناءً على انقلاب النسبة؛ لأنّ رواية زرارة بعد التخصيص تختصّ بالملاقاة مع المتنجّس، ورواية سماعة أعمّ من ملاقاة المتنجّس وملاقاة عين النجس، فيقيّد إطلاق رواية سماعة للمتنجّس الخالي من عين النجس بخبر زرارة بعد تقييده