والجمود على دلالة اللفظ المنفصلة عن الارتكازات وإن كان لا يكفي لاستفادة النجاسة من دليل النهي عن الوضوء- لأنّه لازم أعمّ- ولكن تتمّ هذه الاستفادة عن طريق فهم اللفظ في ضوء الارتكازات العرفية المتشرّعية، فإنّ ارتكازية اشتراط الوضوء بطهارة الماء، وارتكازية سراية القذارة بالملاقاة- في الجملة- توجب انصراف الكلام سؤالًا وجواباً إلى حيثية نجاسة الماء وانفعاله بالقذر.
ويؤكّد النظر إلى هذه الحيثية استثناء فرض كثرة الماء؛ لأنّ مناسبات الحكم والموضوع تقتضي مناسبة الكثرة للاعتصام. وكون استثناء الكثير استثناءً من الحكم بالانفعال فحمل الرواية على المانعية التعبّديّة لملاقاة الماء للقذر عن صحّة الوضوء به خلاف المفهوم عرفاً على ضوء تلك الاتكازات.
ومثل ذلك يقال عن الروايات الناهية عن الشرب من الماء الملاقي للنجس.
الطائفة الرابعة: الروايات الآمرة بصبّ الماء وإراقته عند ملاقاة النجاسة له، من قبيل رواية أبي بصير، عنهم عليهم السلام قال: «إذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس، إلّاأن يكون أصابها قذر بولٍ أو جنابة، فإن أدخلت يدك في الماء وفيها شيء من ذلك فأهرق ذلك الماء»[1].
ولمَّا كان الأمر بالإراقة إرشاداً إلى عدم صلاحيّته للاستعمال في الوضوء والغسل والتطهير والشرب فيكون كاشفاً عن سراية النجاسة إلى الماء على ضوء الارتكازات المشار إليها سابقاً.
بل قد يقال: إنّ الأمر بالإراقة إرشاد إلى قذارة الماء ابتداءً، فإنّ الشيء
[1] وسائل الشيعة 1: 152، الباب 8 من أبواب الماء المطلق، الحديث 4