النابع ودليل انفعال الماء القليل يختلف باختلاف نوع الدليل المعتمد عليه في إثبات اعتصام الماء النابع.
فإن كان الدليل هو رواية ابن بزيع بلحاظ إرجاع التعليل بالمادة إلى الحكم بالاعتصام، أو استظهار كون كلمة «واسع»- بالمعنى الذي شرحناه سابقاً- بياناً لنكتة الاعتصام، فدليل الاعتصام أخصّ مطلقاً من دليل انفعال الماء القليل؛ لأنّه يكون ناظراً إلى القليل بنفسه، إذ لا معنى لتعليل اعتصام الكثير بالمادة وبالسعة المتمثلة في تلك المادة.
وكذلك يقدّم دليل الاعتصام إذا كان هو رواية داود بن سرحان؛ لظهورها في أنّ الماء الجاري بعنوانه موضوع للاعتصام، فلو قدّم عليه دليل انفعال الماء القليل للزم إلغاء العنوان رأساً.
وأمّا إذا كان مدرك الاعتصام رواية ابن بزيع بالتقريب الأوّل أو الرابع أو الخامس فالدلالة على اعتصام القليل بالإطلاق، ولا موجب لتقدّمه على دليل الانفعال.
وكذلك الأمر إذا كان المدرك رواية محمّد بن مسلم؛ لأنّها لو دلّت على الاعتصام فإنّما تدلّ على ذلك بإطلاقها لفرض ورود المتنجّس على الماء الجاري، أو بإطلاقها لفرض كون البول موجوداً بعينه في الثوب عند وروده على عين المتنجّس.
وأمّا إذا كان المدرك للاعتصام رواية سماعة فقد يقال: إنّ دلالتها على اعتصام القليل النابع بالإطلاق؛ لأنّ نفي البأس عن الماء الجاري الذي يبال فيه شامل للقليل الجاري بالإطلاق، فيكون معارضاً مع دليل انفعال الماء القليل.
وقد يقال: إنَّ ظاهر السؤال والجواب في رواية سماعة أنّ عنوان الماء الجاري دخيل في الحكم، وحيث يلزم من تقييد الجواب بالكثير طرح هذا الظهور، فلابدّ من تقديم رواية سماعة على أدلة الانفعال.