اعتصام الجاري ولو كان قليلًا: خبر ابن بزيع. ومن هنا قد يتوهّم أنّ النسبة بينهما العموم من وجه، فيتعارضان في النابع القليل، ويفترق المفهوم بالقليل الراكد، ويفترق خبر ابن بزيع بالنابع الكثير.
ولكنّ الصحيح: تقدّم خبر ابن بزيع على المفهوم؛ وذلك:
أمّا بناءً على الاستدلال بالتعليل في قوله: «لأنّ له مادة»- كما هو الصحيح عند الاستاذ دام ظلّه- فلأنّ التعليل يكون أخصّ مطلقاً من المفهوم؛ لأنّ المفهوم ينفي وجود ملاكٍ للاعتصام غير الكثرة، والتعليل صريح في أنّ المادة ملاك للاعتصام، فيكون أخصّ مطلقاً من ذلك النفي، فيتقدّم عليه بالتخصيص.
وإن شئتم قلتم: إنّ ما علّل اعتصامه بالمادة لا يعقل أن يراد به الكثير خاصّةً؛ لأنّ الكثير معتصم بنفسه بلا حاجةٍ إلى ملاحظة المادة، فالتعليل المذكور نصّ في شمول الاعتصام المعلّل للقليل، فيتعيّن تقييد دليل انفعال الماء القليل بغيرالنابع.
وأمّا بناءً على غضّ النظر عن التعليل بالمادة والاقتصار على الاستدلال بصدرها فبالإمكان أن نستدلّ بصدرها على طهارة ماء البئر، سواء كان قليلًا أو كثيراً، فيكون معارضاً بالعموم من وجه، مع ما دلّ على انفعال الماء القليل، سواء كان راكداً أو بئراً، ويتعيّن عندئذٍ تقديم صدر الصحيحة على دليل الانفعال؛ لأنّنا إذا قدّمنا صدر الصحيحة فلا يلزم منه إلغاء دليل انفعال الماء القليل وسلخ عنوان الماء القليل عن الموضوعية للانفعال رأساً، بل يلزم منه تضيّق دائرة دليل الانفعال.
وأمّا إذا عكسنا الأمر وقدّمنا دليل إنفعال الماء القليل على الصحيحة فهو يستلزم انحصار اعتصام البئر بما إذا كان كرّاً، وهذا يعني إلغاء عنوان البئر وسلخه عن الموضوعية للاعتصام رأساً، إذ يكون حاله حال غيره من المياه التي لا تعتصم‏