حدوثها بسبب المادة. والأوّل هو المطلوب. والثاني خلاف ما دلّت عليه رواية ابن بزيع من كون المادة سبباً في ارتفاع النجاسة. والثالث لغو وغير معقولٍ عرفاً، إذ لا معنى لأن يحكم على الماء النابع بالنجاسة مع رفعها في الآن الثاني، فيتعيّن الأوّل وهو المطلوب.
وهذا البيان ظهر جوابه ممّا ذكرناه في مناقشة الوجه السابق، فإنّ هنا- بقطع النظر عن الإجماع ونحوه من الأدلّة اللبّية- احتمالًا رابعاً، وهو: أن ينجس الماء النابع بالملاقاة، ولا يطهر بسبب المادة إلّابعد ارتفاع الملاقاة، فمثل هذه النجاسة ليست لغواً كالنجاسة آناً ما؛ لأنّ المفروض استمرارها ما دام عين النجس في الماء. كما أ نّها ليست على خلاف ما دلّت عليه رواية ابن بزيع من كون المادة علّةً لارتفاع النجاسة؛ لأنّ غاية ما دلّت عليه هذه الرواية- كما عرفنا سابقاً- أنّ المادة علّة لارتفاع النجاسة الناشئة من التغيير بعد زوال التغيّر، وهذا لا يلزم منه بالأولوية ارتفاع النجاسة الناشئة من الملاقاة مع فعلية الملاقاة.
وعلى كلّ حالٍ فقد اتضح أنّ أحسن ما يستدلّ به على اعتصام الماء النابع هو خبر ابن بزيع بتقريبه الأوّل والثاني من الوجوه الخمسة التي أوضحناها.
المقام الثاني: في تحقيق النسبة بين دليل اعتصام الماء النابع ودليل انفعال الماء القليل بالملاقاة.
فقد ذكر السيّد الاستاذ[1] دام ظلّه: أنّ دليل انفعال الماء القليل الشامل للماء النابع القليل هو مفهوم قوله: «إذا كان الماء قدر كرٍّ لم ينجِّسه شيء»[2]، ودليل
[1] التنقيح 1: 123- 124
[2] وسائل الشيعة 1: 158، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الحديث 1 و 2 و 159، الحديث 6