لارتفاع النجاسة التي نشأت من التغيّر، وأمّا عدم الانفعال بالملاقاة فهو من شؤون اعتصام ماء البئر المفروغ عنه، والذي‏بعد لم يتبين حتّى الآن هل هو من شؤون البئرية أو المادة؟
فإن قيل: إنّ النجاسة التي ترفعها المادة بمقتضى التعليل هي نجاسة غيرمقرونةٍ بالتغيير، فيصح أن يقال: إنّ المادة إذا كانت رافعةً لنجاسة غير مقرونةٍ بالتغيير فهي دافعة أيضاً لكلّ نجاسةٍ غير مقرونةٍ بالتغيير.
قلنا: إنّ ما ثبت بالتعليل كون المادة رافعةً للنجاسة التي نشأت من التغيير بعد زوال التغيير، ولم يثبت بالتعليل بنحوٍ كلّيٍّ أنّ المادة دافعة لكلّ نجاسةٍ غيرمقرونةٍ بالتغيير ليثبت كونها دافعةً لكلّ نجاسةٍ غير مقرونةٍ بالتغيير الذي هو معنى الاعتصام.
نعم، قد يتمَّم هذا الاستدلال بضمِّ أدلّةٍ لبّيةٍ منفصلة؛ وذلك بأن يقال: إنّ المادة لما كانت ترفع النجاسة التغييرية بعد زوال التغيّر فلا يحتمل أن تكون النجاسة الملاقاتية أشدَّ بحيث تبقى حتّى بعد زوال الملاقاة رغم وجود المادة.
وإذا ثبت أنّ الماء النابع لا يحكم عليه بالنجاسة بعد زوال الملاقاة بسبب المادة فيثبت أ نّه لا يحكم عليه بها في ظرف فعلية الملاقاة أيضاً، إذ لا يوجد قول بالتفكيك بين الأمرين، بمعنى: أنّ الماء النابع: إمّا أن ينفعل بالملاقاة وتبقى النجاسة حتّى بعد زوال نفس الملاقاة، وإمّا أن لا ينفعل بالملاقاة من أول الأمر، فإذا انتفى الأوّل تعيّن الثاني.
الوجه الخامس: وهو مبنيّ- كالوجه السابق أيضاً- على رجوع التعليل إلى ارتفاع النجاسة.
وتقريبه: أنّ الماء النابع إذا لاقى النجاسة: فإمّا أن لا ينفعل أصلًا، وإمّا أن ينفعل ويبقى على النجاسة رغم وجود المادة، وإمّا أن ترتفع عنه النجاسة بمجرّد