فالوجه الأوّل إذن يقتضي عدم اعتبار الامتزاج، وكفاية الاتّصال بالنحو الذي يكفي في تقوّي المتّصل بالماء المعتصم، ودفع النجاسة عنه.
وأمّا الوجه الثاني- وهو خبر حنّان- فقد تقدّم[1] التأمّل بشأن مفاده.
وأمّا الوجه الثالث- وهو خبر ابن بزيع المشتمل على التعليل بقوله: «لأنّ له مادّة»- فقد استدلّ به على كفاية الاتّصال في الحكم بالمطهّرية، باعتبار أنّ تمام العلّة المذكورة للمطهّرية هو المادّة، فلو فرض أنّ الامتزاج كان دخيلًا في المطهّرية لأُشير إليه في التعليل أيضاً، وحيث إنّه لم يذكر واقتصر على ذكر صرف المادّة الذي لا يساوق الامتزاج- وإنّما يساوق الاتّصال- فيكون دالًا على كفاية الاتصال بالمادّة في التطهير.
وهنا إشكال معروف على الاستدلال بهذه الصحيحة على كفاية الاتّصال، وحاصله: أنّ مورد الرواية هو الامتزاج؛ لأنّ الإمام عليه السلام أمر بنزح ماء البئر، فقال: «ينزح حتّى يطيب الطعم ويذهب ريحه»؛ لأنّ له مادّةً، ومن المعلوم أ نّه بالنزح يحصل الامتزاج؛ لأنّه يتجدّد النبع كلّما أُخذ من ماء البئر شيء، إلى أن يمتزج الماء النابع مع الماء المتنجّس ويسيطر عليه بحيث يزيل طعمه وريحه القذر ويبدله إلى ريحٍ وطعمٍ طيّب. ففرض الكلام في الصحيحة إذن هو فرض الامتزاج، فكيف يمكن التعدّي من فرض الامتزاج إلى غيره؟!
والجواب على هذا الإشكال بعدّة وجوه:
الأوّل: التمسّك بإطلاق العلّة في التعليل؛ وذلك لأنّ مورد المعلّل وإن كان هو الامتزاج- لأنّ ماء البئر حينما ينزح منه يمتزج الماء النابع مع مائه- إلّاأ نّه بملاحظة التعليل تُلغى خصوصية المورد، ويكون تمام المناط في الحكم
[1] تقدّم في الصفحة 319- 320