ليست متميّزةً في الارتكاز العرفيّ إلّاباعتبار سعتها وكونها ماءً كثيراً بالمعنى، وإن لم تكن مشتملةً على ماءٍ كثيرٍ بالفعل.
ولعلّه لهذا عبَّر عن الماء النابع في نفس رواية ابن بزيع بأ نّه واسع، إذ قيل:
«ماء البئر واسع» بناءً على أنّ السعة بلحاظ كون المادّة ماءً كثيراً بالمعنى، فيكون مرجع التعليل بالمادّة بلحاظ هذا الارتكاز العرفي إلى التعليل بالكثرة، فيشمل ماكان معتصماً بالكثرة، بل يشمل ماء المطر أيضاً، بناءً على كونه ذا مادّةٍ في نظر العرف أيضاً، وإن كانت مادّته مختلفةً عن مادّة الماء النابع باعتبارها مادّةً عُلويةً لا أرضية، إلّاأنّ خصوصيات المادّة لا دخل لها في التعليل، فيستفاد الحكم بمطهّرية المعتصم مطلقاً للماء المتنجّس.
وأمّا الجهة الثانية وهي: أنّ الماء المعتصم هل يطهّر بمجرّد الاتّصال، أو يحتاج إلى الامتزاج؟ فتحقيق ذلك يتوقّف على النظر إلى دليل المطهّرية؛ ليرى أ نّه هل يوجد له إطلاق يقتضي حصول التطهير بصرف الاتّصال، أوْ لا؟
أمّا الوجه الأوّل للمطهّرية المذكور في الجهة الاولى- وهو أنّ الماء المتنجّس والمعتصم بعد إيصال أحدهما بالآخر ماء واحد، والماء الواحد لا يتبعّض حكمه- فهذا الوجه ملاكه حصول الوحدة بين الماءين، التي هي الملاك في تقوّي أحد الماءين بالآخر، فكلّما كان الماء المتنجّس متّصلًا بالمعتصم بنحو- بحيث لولا نجاسته لتقوَّى به وأصبح مشمولًا لدليل اعتصامه- فهوحين اتّصاله به بذلك النحو من الاتّصال وهو متنجّس يطهر به.
فكلّ نحوٍ من الاتّصال يحقّق تقوّي المتصل بالمعتصم الموجب لدفع النجاسة يحقّق أيضاً تطهير المتّصل بالمعتصم المساوق لرفع النجاسة؛ لأنّ عدم تقوّي ماءٍ قليلٍ بالكرّ يعني تعقّل تنجّسه مع بقاء الكرّ على طهارته، ومتى تعقّلنا ذلك لم يتمَّ الوجه الأوّل في المقام.