بقاء عدم الوصف واستمراره معه فليس تغييراً، فحينما يحدث للماء أن يفقد صفته ينتزع عن ذلك عنوان التغير، وأما استمرار هذا الفقدان والعدم، فلا ينطبق عليه عنوان التغيير عرفاً.
فاذا اتّضح أنّ التغيير هو العدم الحدوثيّ لا العدم البقائيّ نقول: إنّ الدم في مفروض المسألة ليس مؤثّراً في العدم الحدوثيّ أصلًا، أي أ نّه ليس مؤثّراً في إحداث العدم لأيّ وصفٍ من أوصاف الماء؛ لأنّنا إذا لاحظنا وصفه ولونه الطبعيّ فهو معدوم عرفاً من حين إلقاء الصبغ فيه، وليس الدم هو المحدث لعدمه، وإذا لاحظنا لونه العَرَضيّ الذي حصل بسبب الصبغ فهو ثابت ولم يعدم بعد إلقاء الدم.
نعم، لو كان المأخوذ في موضوع الأدلّة عنوان مؤثّرية الدم في الماء لاعنوان التغيير لأمكن أن يقال: إنّ المؤثّرية موجودة في مفروض الكلام؛ لأنّ عدم الوصف الطبعيّ للماء مستند حدوثاً إلى الصبغ، ومستند ببقائه إلى كلٍّ من الصبغ والدم. وسوف تأتي تتمّة الكلام في تحقيق ذلك.
الوجه الثاني: أ نّنا لو فرضنا ماءً كرّاً وغير مصبوغٍ ألقينا فيه الصبغ الأحمر والدم في وقتٍ واحد، وكان كلّ منهما بكمّيةٍ كافيةٍ بمفردها لتغييره وإزالة وصفه الطبعيّ ففي مثل هذا الفرض يحكم بنجاسة الماء؛ لأنّ العدم الحدوثيّ- أي زوال الوصف الطبعيّ للماء- مستند إلى الصبغ والدم معاً، وحيث إنّ الدم صالح للاستقلال بالعلّيّة في نفسه فيصحّ إسناد ذلك العدم الحدوثيّ إلى الدم. وهذا يعني أنّ التغيّر يصحّ عرفاً إسناده إلى الدم، فيشمله إطلاق الدليل اللفظيّ الدالّ على انفعال الماء بالتغيّر المستند إلى الدم.
وبعد هذا يقال: بأنّ الارتكاز العرفيّ يأبى عن الفرق بين هذا الفرض وماهو محلّ الكلام الذي يلقى فيه الدم بعد إلقاء الصبغ، إذ لو لم نحكم بالنجاسة في محلّ الكلام مع الحكم بالنجاسة في فرض إلقاء الصبغ والدم في وقتٍ واحد