فمثال الأوّل أن يقال: «لا يجب إكرام العالم»، فإنّ اختصاص صنف العالم بوجوب الإكرام، محتمل احتمالًا عرفياً، فيرد النفي توضيحاً لعدم ثبوت الحكم.
ومثال الثاني أن يقال: «لا تَحْرُمُ غيبة الفاسق»، فإنّ اختصاص الفاسق بحرمة الغيبة ليس محتملًا احتمالًا عرفياً، وإنّما المحتمل ثبوت الحرمة له في ضمن طبيعيّ المكلّف، فيرد النفي توضيحاً لعدم ثبوت الحكم على الفاسق: إمّا لأنّ الحكم بحرمة الغيبة لم يثبت للطبيعيّ رأساً، وإمّا لأنّه ثابت له ولكنّه لا يشمل الفاسق.
ثمّ إنّ نفي الحكم الوارد بالنحو الثاني- أي المنصبّ على صنفٍ لا يحتمل عرفاً اختصاص الحكم المنفيّ به من بين أصناف الطبيعي- تارةً يقترن بارتكازية ثبوت الحكم المنفيّ على الطبيعيّ بنحو القضية المهملة، بحيث يكون ثبوت الحكم على أصل الطبيعيّ أمراً مركوزاً. واخرى لا يقترن بارتكازية ثبوت الحكم على أصل الطبيعي.
ففيما إذا اقترن بالارتكاز المذكور ينعقد للنفي ظهور عرفيّ في كونه ناظراً إلى ذلك الحكم المركوز ثبوته على أصل الطبيعي، وموضّحاً عدم دخول الصنف الخاصّ تحت ذلك الطبيعيّ المركوز حكمه، وهذا من قبيل أن يقال: «لا تجب الزكاة على الفقير»، أو: «لا يجب الوضوء على المريض»، ونحو ذلك، فإنّ المتبادر عرفاً من أمثال ذلك كونه ناظراً إلى كبرى وجوب الزكاة وكبرى وجوب الوضوء، وبصدد استثناء الفقير والمريض منها، وهذا التبادر وانصراف النفي إلى اللسان الاستثنائيّ نتيجة مجموع أمرين:
أحدهما: أنّ الفقير أو المريض لا يحتمل عرفاً اختصاصه بوجوب الزكاة أو وجوب الوضوء، وإنّما المحتمل ثبوت الحكم له في ضمن الطبيعي، وهذا يعني أن‏