هو أكثرية الماء من البول، وليس المراد بالأكثرية هنا الأكثرية الكمّية، بمعنى كون كمّية المطر النازل على السطح أكثر من كمّية البول الواقع عليه؛ وذلك لأنّه: إن اريد كون الماء أكثر من البول الموجود فعلًا على السطح فهذا خلاف الظاهر، إذ لم يفرض في الرواية وجود البول فعلًا على السطح، وإنّما فرض أنّ السطح يبال عليه، ومع عدم فرض وجود البول فعلًا على السطح لا معنى لحمل الأكثرية على أكثرية الماء من شيءٍ لم يفرض وجوده. وإن اريد كون الماء أكثر من البول الواقع على السطح خلال مدّة استعماله مبالًا فهذا أيضاً خلاف الظاهر، إذ لا طريق حينئذٍ إلى دعوى كون ماء المطر النازل أكثر من مجموع ما أصاب السطح من بول.
مضافاً إلى أنّ كثرة ما أصاب السطح وقلّته على طول الزمان لا دخل له في الارتكاز العرفيّ بالانفعال فعلًا وعدمه، فيتعيّن أن يكون المراد بالأكثرية الأكثرية المعنوية، لا الكمّية. والمراد بالأكثرية المعنوية: القاهرية والغالبية المساوقة لعدم التغيّر، فيكون التعليل في هذه الرواية بنفسه دليلًا على أنّ اعتصام ماء المطر مشروط بعدم التغيّر.
الجهة الثالثة: في النسبة بين دليل اعتصام ماء الحمّام ودليل الانفعال بالتغيّر.
والتحقيق في ذلك: أنّ كثيراً من روايات ماء الحمّام الدالّة على عدم انفعاله بالنجاسة ليس لها إطلاق لحالة التغيّر؛ لورودها في أنحاءٍ من الملاقاة التي لا توجب التغيّر عادةً، أو لأنّ المتيقّن منها ذلك بنحوٍ لا يكون له إطلاق؛ وذلك من قبيل رواية محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: الحمّام يغتسل فيه الجنب وغيره أغتسل من مائه؟ قال: «نعم، … إلى آخره»[1]. فإنّ فرض اغتسال
[1] وسائل الشيعة 1: 148، الباب 7 من أبواب الماء المطلق، الحديث 2