تعارض عامّان من وجهٍ، ووجد خاصّ يُخرج من نطاق أحد العامّين مادة الافتراق له عن العامّ الآخر، بحيث يصبح العامّ المخصّص بعد تخصيصه مخصّصاً بدوره للعامّ المعارض له. وقد حقّقنا في الاصول[1] أنّ انقلاب النسبة غير تامّ.
نعم، لو فرض أنّ تنجّس الماء القليل بمجرّد الملاقاة بلا حاجةٍ إلى التغيّر أمر ارتكازيّ في ذهن المتشرعة، بحيث يكون الارتكاز بمثابة المخصّص اللبّيّ المتّصل بدليل انفعال الماء الراكد بالتغيّر فهذا يعني، أنّ دليل انفعال الماء الراكد بالتغيّر انعقد ظهوره من أول الأمر في خصوص الكرّ، نتيجةً لاتّصال ذلك المخصّص اللبّيّ به، فيكون أخصّ مطلقاً من دليل اعتصام الكرّ فيخصصه، بلا حاجةٍ إلى القول بانقلاب النسبة.
الثالث: الاستعانة بكبرى انقلاب النسبة أيضاً، ولكن بوجهٍ آخر. فقد كنّا في الوجه السابق نفرض نشوء انقلاب النسبة من مخصّصٍ يُخرج مادة الافتراق لأحد العامّين من وجه، وفي هذا الوجه يُدَّعى إمكان انقلاب النسبة على أساس وجود مخصّصٍ لأحد العامّين المتعارضين بنحو التساوي، بأن يقال: إنّ لدينا دليلًا يدلّ بإطلاقه على عدم انفعال الكرّ بالملاقاة، سواء حصل التغيّر أو لا، ولدينا أيضاً دليل ثاني يدلّ بإطلاقه على انفعال الكرّ بالملاقاة، سواء حصل التغير أوْ لا، وهذا الدليل هو رواية أبي بصير، قال: سألته عن كرٍّ من ماءٍ مررت به وأنا في سفر، قد بال فيه حمار أو بغل أو انسان، قال: «لا توضّأ منه، ولا تشرب منه»[2].
وهذان الدليلان متعارضان بنحو التساوي، بمعنى: أنّ كلًاّ منهما يشمل كلتا حالتي التغيّر وعدمه. وهناك دليل ثالث، وهو ما ورد في نفي الانفعال عن الكرّ في
[1] بحوث في علم الاصول 7: 291- 298
[2] وسائل الشيعة 1: 139، الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5