کتابخانه
500

العصير العنبيّ المغليّ يكون مقتضى إطلاقه أ نّه يحرم، سواء ذهب ثلثاه بالنار أو بغيرها، أو لم يذهب، والمقيّد ورد في الطلاء والبختج ونحوهما من العناوين المختصّة بالذهاب بالنار، فيبقى‏ غيره تحت إطلاق الحرمة.

ولكن توجد روايتان يستفاد الإطلاق منهما.

الاولى: رواية عبد اللَّه بن سنان، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «كلّ عصيرٍ أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه»[1].

والمظنون أنّ نظر المشهور في دعواهم للإطلاق إلى مثل هذه الرواية، فإنّ قوله: «حتّى يذهب ثلثاه» ظاهر عرفاً في كونه غايةً للحرمة، فيكون مفاد الرواية: «أنّ كلّ عصيرٍ أصابته النار فهو حرام»، والحرمة تستمرّ إلى ذهاب الثلثين، وهذا مطلق يشمل فرض كون ذهاب الثلثين بسبب تلك الإصابة للنار، أو بإصابةٍ اخرى‏ لها، أو بغير النار.

وقد تُحمل الغاية في المقام على كونها غايةً للإصابة، فيكون مفاد الرواية:

«أنّ كلّ عصيرٍ أصابته النار فهو حرام»، وإذا استمرّت الإصابة إلى أن يذهب ثلثاه فهو حلال، وعليه لا إطلاق في الرواية. غير أنّ هذا الحمل خلاف الظاهر، فإنّه مهما كان عندنا شرط وجزاء أو ما يشبههما وذكر في الجزاء غاية فالمستفاد عرفاً أ نّه غاية للجزاء، لا للشرط.

والرواية الثانية: رواية محمد بن الهيثم، عن رجلٍ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن العصير يطبخ بالنار حتّى يغلي من ساعته، أيشربه صاحبه؟ فقال:

«إذا تغيّر عن حاله وغلى‏ فلا خير فيه، حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه»[2].

 

[1] وسائل الشيعة 25: 282، الباب 2 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 1

[2] وسائل الشيعة 25: 285، الباب 2 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 7

499

الخمر والإسكار- لأنّ إفساد كلّ شي‏ءٍ بحسبه- إلّاأنّ قوله: «واجعلها خلّاً» قد يقال: إنّه يدلّ على الحصر المدّعى‏؛ لأنّه إرشاد إلى المحلّل، وقد أرشده إلى التخليل.

ولكن يرد على ذلك: أنّ هذه الجملة اختصّ عليّ بن حديد بنقلها دون محمد ابن أبي عمير، فلا يتمّ سندها بناءً على عدم ثبوت توثيقه، على أنّ من المحتمل أن تكون من كلام عليّ بن حديد.

هذا، مضافاً إلى أنّ الإمام عليه السلام لعلّه كان في مقام بيان محلّلٍ يتحفّظ فيه على المائع المذكور، وذهاب الثلثين يذهب فيه ثلثا المائع، وعلى ضوء مجموع ما ذكرناه اتّضح أنّ الصحيح في العصير العنبيّ المغليّ بنفسه: أ نّه يحلّ بزوال اسم الخمرية وصفة الإسكار عنه، لا بذهاب الثلثين كما يقول المشهور، ولا بخصوص التخليل كما يقول شيخ الشريعة قدس سره.

المسألة الثانية: في أ نّه هل يكفي ذهاب الثلثين بغير النار، أوْ لا؟

والمشهور هو الكفاية؛ تمسّكاً بإطلاق دليل محلّليّته.

وذهب السيّد الاستاذ[1]– دام ظلّه- إلى اختصاص المحلّل بالغليان بالنار، واعترض على الاستدلال بالإطلاق بأمرين:

الأوّل: عدم وجود روايةٍ من روايات التحليل بذهاب الثلثين ذات إطلاقٍ من هذه الناحية، بل هي جميعاً مختصّة بالغليان بالنار.

الثاني: أ نّه لو وجد الإطلاق ففي مقابله ما يدلّ بمفهومه على عدم كفاية ذهاب الثلثين بغير النار.

أمّا الأمر الأوّل فمقصوده بذلك: أ نّه بعد فرض وجود دليلٍ يدلّ على حرمة

 

[1] التنقيح 2: 117

498

المدّعى‏ دلالتها على انحصار المحلّل بالتخليل: أنّ الحرمة في المغليّ بنفسه تبقى‏ بعد ذهاب الثلثين أيضاً، فإن لم يوجد في روايات محلّلية ذهاب الثلثين ما يشمل بالإطلاق العصير المغليّ بنفسه فهو، وإلّا وقع التعارض بالعموم من وجه، وتعيّن الرجوع إلى مطلقات حرمة العصير العنبيّ بالغليان على فرض وجودها.

ولكنّ التحقيق: أنّ روايات التخليل لا تدلّ على حصر المحلّل بالتخليل، بل على إناطته بزوال الإسكار ولو لم يصبح العصير خلّاً، فإنّ روايات التخليل بعضها من قبيل رواية زرارة، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: سألته عن الخمر العتيقة تجعل خلّاً؟ قال: «لا بأس»[1].

وهذا المضمون لا يستفاد منه حصر المحلّل بالتخليل، كما هو واضح.

وبعضها يستفاد منه كون المناط زوال الخمرية والإسكار، لا حصول صفة الخلّية، وهو رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أ نّه قال في الرجل إذا باع عصيراً فحبسه السلطان حتّى صار خمراً، فجعله صاحبه خلّاً، فقال: «إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس»[2].

وبعضها قد يتمسّك به لإثبات حصر المحلّل بالتخليل، وهو ما رواه محمد ابن أبي عمير، وعليّ بن حديد جميعاً، عن جميل قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام:

يكون لي على الرجل الدراهم، فيعطيني بها خمراً، فقال: «خذها ثمّ أفسِدها».

قال عليّ: واجعلها خلّاً[3].

فإنّ قوله: «ثمّ أفسدها» وإن كان لا يدلّ على أكثر من تحويلها عن‏

 

[1] وسائل الشيعة 25: 370، الباب 31 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 1

[2] المصدر السابق: 371، الحديث 5

[3] المصدر السابق: الحديث 6

497

في المقام، كما صنعه شيخ الشريعة قدس سره. ومورد استدلاله قوله: «فإذا كان أيّام الصيفِ وخشيت أن ينشَّ».
وتقريبه: أ نّه لو كان ذهاب الثلثين محلّلًا لمَا نشَّ بنفسه، فلا معنى للخشية من النشيش، إذ المفروض أ نّه سوف يطبخه إلى ذهاب الثلثين.
ويرد عليه: أ نّه لم يذكر وجه الخشية، وإنّما بيّن علاجها بعد الفراغ عن افتراضها في ذهن عمّار، ولا ينحصر هذا الوجه المفترض في ثبوت حرمةٍ مطلقةٍ للمغليِّ بنفسه لا ترفع إلّابالتخليل.
وتوضيح ذلك: أ نّه إذا بني على نجاسة كلّ مسكرٍ- كما هو المشهور، ومختار شيخ الشريعة- فمن الواضح بعد البناء على أنّ المغليّ بنفسه مسكر- كما هو مختاره أيضاً- أنّ العصير ينجس عندئذٍ بالنشيش الحاصل بنفسه، ويكون الطابخ معرّضاً للنجاسة خلال عملية الطبخ، بسبب ترشّح شي‏ءٍ من العصير، ويكفي ذلك تفسيراً للخشية.
وأمّا إذا بنينا على عدم نجاسة غير الخمر من المسكرات فيمكن أن نفسّر الخشية: بأنّ الحرمة التي تحصل بالنشيش في نفسه المساوق للإسكار لا ترتفع إلّا بزوال الإسكار، وهو أمر لابدّ من إحرازه. وقد لا يتأتّى‏ إحرازه إلّابعد ذهاب الثلثين، مع أنّ الإمام عليه السلام يريد أن يصف له المطبوخ بنحوٍ يحلّ بمجرّد ذهاب الثلثين، وهذا شي‏ء غير دعوى الحرمة التي لا ترتفع إلّابالتخليل.
الاسلوب الثالث: الاستدلال بروايات التخليل، وتوضيح ذلك: أنّ العصير العنبيّ إذا غلى‏ بنفسه أصبح مسكراً، والمسكر محكوم عليه بالحرمة إلى أن يتخلّل، بمقتضى روايات التخليل، وهذا الاسلوب لامجال له عند من ينكر مساوقة الغليان بنفسه للإسكار.
وأمّا بناءً على صحّة ذلك- كما هو المختار- كان مقتضى روايات التخليل‏

496

أو بعده.

وثالثاً: لو سلّم اقتضاء المفهوم بإطلاقه ثبوت الحرمة في العصير المغليّ بنفسه بعد ذهاب الثلثين- ولو زالت عنه صفة الإسكار- فهذا الإطلاق في المفهوم معارض مع إطلاق آية حلّية الطيّبات، التي تشمل كل عصيرٍ غير مسكر، والمعارضة بالعموم من وجه.

نعم، لو ادّعى‏ شخص أنّ المعلّق في الرواية ليس هوالحرمة المقيّدة، بل نفس التقييد، وكون الحرمة منوطةً بعدم ذهاب الثلثين كان المفهوم عنده أخصَّ؛ لأ نّه يختصّ مورده حينئذٍ بالعصير المغليّ بنفسه؛ لأنّ غير المغليّ لا حرمة فيه أصلًا.

ثمّ إنّه لو تمّ في المفهوم إطلاق يقتضي بقاء الحرمة في المغليّ بنفسه بعد ذهاب الثلثين: فإن قيل بأنّ روايات محلّلية ذهاب الثلثين مختصّة بالمغليّ بالنار فهو. وإن قيل بالإطلاق في بعضها للمغليّ بنفسه، وقع التعارض بالعموم من وجه، وتعيّن على شيخ الشريعة حينئذٍ أن يتمسك بمطلقات حرمة العصير إذا غلى‏.

الرواية الثانية: لعمّار الساباطي، قال: وصف لي أبو عبد اللَّه عليه السلام المطبوخ كيف يطبخ حتّى يصير حلالًا، فقال لي: «تأخذ ربعاً من زبيب وتنقّيه، بأن تصبّ عليه اثني عشر رطلًا من ماء، ثمّ تنقعه ليلةً، فإذا كانت أيام الصيف وخشيت أن ينشّ جعلته في تنّورٍ سخّن قليلًا حتى لا ينش … الحديث»[1].

وهذه الرواية: تارةً يستدلّ بها على حرمة العصير الزبيبيّ بالغليان حتّى يذهب ثلثاه، وهذا بحث يأتي‏[2] إن شاء اللَّه تعالى. واخرى يستدلّ بها على المدّعى‏

 

[1] وسائل الشيعة 25: 289، الباب 5 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 2

[2] في الصفحة 531

495

موضوع الهيئة، فالتعليق تعليق لما قد قيّد بالغاية في المرتبة السابقة.
وعلى الثاني تكون هيئة الجزاء طرفاً لنسبتين:
إحداهما تامّة، وهي التعليق المفترض استفادته من القضية الشرطية.
والاخرى ناقصة، وهي النسبة الغائية. وحينئذٍ يمكن أن يفرض تقدّم أيّ واحدةٍ من النسبتين في مقام اللحاظ على الاخرى؛ وذلك بأن يفترض تارةً أنّ المقصود جعل المعلّق مغيّاً بذهاب الثلثين، ويمكن أن يفترض أنّ المقصود جعل المغيّا بذهاب الثلثين معلَّقاً، وهذا الأخير هو الذي يثبت اقتضاء المفهوم انتفاء الحرمة المقيّدة دون سابقه.
والرواية على هذا الأساس إمّا مجملة، وإمّا ظاهرة في غير ما يكون المفهوم معه مقتضياً لانتفاء الحرمة المقيّدة بنحوٍ يلائم مع ثبوت الحرمة المطلقة، باعتبار أنّ المتفاهم عرفاً من الرواية أنّ المفهوم لا يجعل الحرمة أشدّ ممّا هو مجعول في المنطوق.
وأمّا النقطة الثالثة فلو سلّم أنّ المفهوم يقتضي انتفاء الحرمة المقيّدة فهل يثبت بذلك أنّ المغليّ بنفسه يحرم بنحوٍ لا يحلّ إلّابالتخليل؟
التحقيق: أ نّه لا يثبت هذا المعنى، وذلك:
أمّا أوّلًا: فلأنّ موضوع القضية هو العصير، وهذا منصرف عن العصير المغليّ بنفسه المساوق للخمر؛ لأنّ العصير في الارتكاز العرفيّ عنوان مقابل للخمر. نعم، لو قيل بأنّ الغليان بنفسه لا يساوق الخمرية لمَا كان هناك موجب للانصراف المذكور.
وثانياً: أنّ انتفاء الحرمة المقيّدة كما يكون بثبوت حرمةٍ مطلقةٍ لا ترتفع إلّا بالتخليل كذلك يكون بثبوت حرمةٍ مطلقةٍ من ناحية ذهاب الثلثين، ومغيّاةٍ بزوال صفة الإسكار، سواء حصل ذلك قبل ذهاب الثلثين، أو بعده، قبل التخليل،

494

والآخر: أنّ «الفاء» ليست أحسن حالًا من أدوات الشرط، وقد بيّنّا في علم الاصول‏[1]: أنّ القضية الشرطية إنّما تدلّ على المفهوم إذا لم يكن الشرط فيه محصّصاً لموضوع القضية، ومرجع الضمير في الجزاء، وإلّا سقطت دلالته على المفهوم، نظير قولنا: «من يجيئك فأكرمه»، والرواية من هذا القبيل.

وأمّا النقطة الثانية فإن قيل فيها بأنّ المفهوم هو انتفاء مطلق الحرمة فالرواية لا تدلّ على مقصود شيخ الشريعة، وحينئذٍ يخصّص المفهوم بإخراج المغليّ بنفسه عنه لثبوت حرمته قطعاً.

وإن قيل: إنّ المفهوم هو انتفاء الحرمة المقيّدة كان ذلك في صالحه.

وتحقيق الكلام في المقام: أنّ كلمة «حتّى» في الرواية فيها احتمالان:

الأوّل: أن يقصد بها نسبة تامّة، وتجعل غايةً لمفاد الجزاء، فكأنه قال: «كلّ عصيرٍ غلى‏ بالنار فهو حرام»، وهذه الحرمة مستمرّة إلى أن يذهب الثلثان، وهذا يعني أ نّه قد طرأ على الحرمة أمران، نسبة التعليق ونسبة الغاية في عَرْضٍ واحد، فمفاد المفهوم ارتفاع ذات الحرمة، وبعد حصول الغاية ترتفع الحرمة بمفهوم الغاية.

الثاني: أن يقصد بها الغاية بنحو مفاد النسبة الناقصة، فكأ نّه قال: «كلّ عصيرٍ غلى‏ بالنار فهو حرام مستمرّاً إلى أن يذهب الثلثان»، فالاستمرار لوحظ بنحو الوصفية، والموصوف به: إمّا أن يكون مادّة الجزاء وهي الحرمة، فكأ نّه قال: «فهو حرام بحرمة مستمرّة». وإمّا أن يكون هيئة «فهو حرام».

فعلى الأوّل يكون المفهوم انتفاء الحرمة المقيّدة؛ وذلك لأنّ المعلّق في القضية الشرطية هو هيئة الجزاء، والغاية صارت قيداً في مادة الجزاء، أي في‏

 

[1] انظر بحوث في علم الاصول 3: 177 و 184

493

فالجزاء منتفٍ، واخرى: بالغليان بنفسه من دون إصابة النار، وحينئذٍ لا إشكال في ثبوت أصل الحرمة، فيجب أن يكون انتفاء الجزاء وهو الحرمة المقيدة بانتفاء قيدها، ومعنى ذلك ثبوت الحرمة المطلقة للمغليّ بنفسه على نحوٍ لا ترتفع إلّا بالتخليل.
وتحقيق الكلام في ذلك يقع في ثلاث نقاط:
إحداها: في أنّ هذه الجملة هل لها مفهوم، أوْ لا؟
والثانية: في أ نّه على فرض المفهوم هل يدلّ المفهوم على انتفاء الحرمة المقيّدة؟
والثالثة: أ نّه لو فرض وجود مفهومٍ يدلّ على انتفاء الحرمة المقيّدة فهل يثبت بذلك حرمة العصير العنبي المغليّ بنفسه وإن ذهب ثلثاه مالم يخلّل؟
أمّا النقطة الاولى فمن الواضح أ نّه لم تستعمل في هذه الجملة أداة شرط، فدعوى المفهوم قد تكون على أساس الالتزام بالمفهوم في الوصف واللقب، وهذا غير تامٍّ كبرىً، إذ لا نقول بالمفهوم لهما.
نعم، لابدّ من تصوّر فائدةٍ في القيد حتّى لا يكون لغواً، ويكفي فائدة لذكر إصابة النار أ نّه لو لم يذكرها لكان الموضوع أوسع من الحرام، إذ ليس كلّ عصيرٍ حراماً قبل ذهاب الثلثين، فالقيد احترازي في الجملة.
وقد تكون دعوى المفهوم على أساس مفهوم الشرط الثابت في الجملة، وإن لم يوجد فيها أداة الشرط صريحاً، وذلك بقرينة «الفاء» فإنّه قرينة على ملاحظة نحوٍ من الشرطية والترتّب.
وهذا يمكن الإيراد عليه بأمرين:
أحدهما: مبنيّ على أنّ ملاك مفهوم الشرط استفادة التعليق، والفاء لا يفيده وإن أفاد نحواً من الترتّب اللزومي.

492

نظرها إلى دليلٍ للحرمة وراءها؛ حتّى تكون حاكمةً عليه.

وثانياً: على عدم اختصاص نظرها- لقرينة- بخصوص الحرمة الثابتة للعصير المغليّ بالنار، كما مرّت الإشارة إلى ذلك سابقاً.

الاحتمال الخامس: أن يبنى على ورود كلتا الطائفتين في خصوص المغليّ بالنار. وقد ظهر حال هذا الاحتمال ممّا تقدّم.

وقد يقال: بناءً عليه أ نّه يتمّ ما ذكره شيخ الشريعة؛ لأنّ ورود الطائفتين معاً في المغليّ بالنار لا يعني حلّية المغليّ بنفسه، بل هو حرام- على أيّ حالٍ- ولو لم نقل بأنّ الغليان بنفسه يساوق الإسكار بلحاظ الإجماع، ومعه فيجري استصحاب بقاء الحرمة بعد ذهاب الثلثين. ولكن قد يتمسّك حينئذٍ بعموم حلّية الطيبات الحاكم على الاستصحاب المذكور.

الاحتمال السادس: أن يفترض عكس الاحتمال الأوّل، وهو في صالح المشهور، وقد عرفت حاله ممّا تقدّم.

هذا كلّه في الاسلوب الأوّل لشيخ الشريعة في إثبات مدّعاه.

أمّا الاسلوب الثاني فهو التمسّك ببعض الروايات الخاصّة، وهو روايتان:

الاولى: رواية عبد اللَّه بن سنان، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كلّ عصيرٍ أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه»[1].

وتقريب الاستدلال بها: أنّ هذه الرواية تشتمل على شرطٍ وهو إصابة النار للعصير، وجزاءٍ وهو الحرمة المقيّدة بعدم ذهاب الثلثين، ومقتضى قانون الشرطية انتفاء الجزاء، وهو هنا الحرمة المقيّدة بانتفاء الشرط، ويكون انتفاء الشرط في المقام: تارةً بعدم الغليان رأساً، وحينئذٍ لا إشكال في عدم الحرمة،

 

[1] وسائل الشيعة 25: 282، الباب 2 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 1

dot-icondot-icondot-icondot-icondot-icon