التكرار والاجترار[1].
ومرّة اخرى نؤكّد على أ نّنا لا ننكر على التجربة فضلها العظيم على الإنسانية ومدى خدمتها في ميادين العلم، وإنّما نريد أن يفهم هؤلاء التجريبيون:
أنّ التجربة ليست هي المقياس الأوّل والمنبع الأساسي للأفكار والمعارف الإنسانية، بل المقياس الأوّل والمنبع الأساسي هو: المعلومات الأوّلية العقلية التي نكتسب على ضوئها جميع المعلومات والحقائق الاخرى، حتّى إنّ التجربة بذاتها محتاجة إلى ذلك المقياس العقلي، فنحن والآخرون على حدّ سواء في ضرورة الاعتراف بذلك المقياس الذي ترتكز عليه اسس فلسفتنا الإلهية، وإذا حاول
[1] ومن الغريب حقّاً ما حاوله الدكتور زكي نجيب محمود: من تركيز الاعتراض السابق الذكر على الاستدلال القياسي كما في قولنا:( كلّ إنسان فانٍ، ومحمّد إنسان، فمحمّد فانٍ) قائلًا:« قد تقول: ولكن حين اعمّم في المقدّمة الاولى لا اريد الناس فرداً فرداً؛ لأنّ إحصاءهم على هذا النحو مستحيل، إنّما اريد النوع بصفة عامّة، ولكن إذا كان أمرك كذلك فكيف استطعت أن تخصّص الحكم على محمّد؟! إنّ محمّداً ليس هو النوع بصفة عامّة، إنّما هو فرد متعيّن متخصّص، فحكمك عليه بما حكمت به على النوع بصفة عامّة هو في حقيقة الأمر قياس باطل» المنطق الوضعي: 250.
وهذا خلط عجيب بين المعقول الأوّل والمعقول الثاني في مصطلح المنطقيين؛ فإنّ الحكم على النوع بصفة عامّة يعني أحد أمرين:
أوّلهما- أن يكون الحكم على الإنسان باعتبار صفة العموم والنوعية فيه، ومن الواضح: أنّ هذا الحكم لا يمكن أن يُخصَّص على محمّد؛ لأنّ محمّداً ليس فيه صفة العموم والنوعية.
وثانيهما- أن يكون الحكم على ذات الإنسان من دون إضافة أيّ تخصيص إليه، وهذا الحكم يمكن أن نطبّقه على محمّد؛ لأنّ محمّداً إنسان، فالحدّ الأوسط له معنى واحد تكرّر في الصغرى والكبرى معاً، فيكون القياس منتجاً.( المؤلّف قدس سره)