من استيحاءاتٍ مستمَدّةٍ من القاعدة الفكرية، كما يفعل كثير من الباحثين المسلمين اليوم مع أفكار كثيرة من علماء الاجتماع والنفس والتاريخ الأوربيين، فإنّ أول نقطةٍ يجب التأكّد منها قبل كلّ شي‏ءٍ هي البحث عن مدى صلة الفكرة المبحوث عنها بالقاعدة التي ثبت لدينا خطؤها، وعلى ضوء هذه الصلة يجب أن تتركّز نظرتنا إلى الفكرة والحكم لها أو عليها بما نستخلصه من البحث والدراسة.
كما أ نّه ليس من الصحيح أيضاً ما يتّجه إليه بعض الدعاة المسلمين من الحكم على كلّ تفكيرٍ اوروبّيٍّ يتّصل بالحياة الإنسانية بأ نّه خطأ لأنّه مستنبط من القاعدة، وما دامت القاعدة خطأً فما يستنبط منها خطأ أيضاً، فإنّ استنباط الفكرة من القاعدة في المجالات النظرية لا يعني أ نّها مستنتجة منها استنتاجاً ومتوقّفة في مصيرها على القاعدة نفسها، وإنّما يعني- كما ألمعنا إليه- أنّ الفكرة صيغت بالشكل الذي لا يتناقض مع تلك القاعدة، سواء أكانت مستمَدّةً منها بصورةٍ مباشرةٍ أم لا، والقاعدة وإن كانت خطأً ولكن ليس من الضروري في كلّ فكرةٍ لا تتناقض مع الخطأ أن تكون خطأً.
وثانياً: من واجب المسلمين الواعين أن يجعلوا من الإسلام قاعدةً فكريةً وإطاراً عامّاً لكلّ ما يتبنَّون من أفكارٍ حضاريةٍ ومفاهيم عن الكون والحياة والإنسان والمجتمع، ولا شكّ أنّ العقيدة الدينية نفسها تعني هذا الشي‏ء وتفرضه موجوداً لدى المتديِّن، غير أنّ العقيدة الدينية لمّا كانت تعيش اليوم في نفوس كثيرٍ من الناس مجرّدةً عن وعيٍ حقيقيٍّ يسندها نجد أنّ جمهرةً من المسلمين لا يَعُون المكان الطبيعيّ الذي يجب أن تحتلّه رسالتنا الفكرية الأصلية من التفكير العامّ.
وليس هذا الفرق الذي نجده بين رسالتنا الإسلامية والرسالات الاوروبّية في مواضعها من التفكير العامّ ناشئاً عن طبيعة تلك الرسالة، وإنّما هو نتيجة الإختلاف فيما يرافق كلّ رسالةٍ في ذهنية أصحابها من درجة الوعي والشعور.