تجاه الكون والحياة والمجتمع والتاريخ هي القطب المركزيّ الذي ينعكس إلى حدٍّ قصير أو طويل في كلّ المفاهيم والأفكار الحضارية التي تتبنّاها الماركسية ويؤمن بها مفكّروها.
ونحن بطبيعة الحال لا نعني من احتلال الرسالة مركز القاعدة من التفكير في الحضارة الاوروبّية أنّ الرسالة استطاعت أن تموّن المفكّر مباشرةً بكلّ ما يحتاجه من مفاهيم ومعارف في كلّ الحقول والميادين إلى الدرجة التي تصبح كلّ معرفةٍ منبثقةً عن الرسالة ومتفرّعةً عن القاعدة الرئيسية المفترضة، بل الواقع أنَّ وضع الرسالة في الموضع الرئيسي من التفكير الحضاري إنّما يعني محاولة التوفيق بين جوهر الرسالة وروحها وبين الأفكار الحضارية المتبنّاة، إذ من المنطقيّ والطبيعيّ أ نّه ما دامت الرسالة صحيحةً فعليها أن ترفض كلّ فكرةٍ تتّصل بالميادين الإنسانية إذا كانت تناقض تلك الرسالة، فالأفكار التي تتكوّن منها كلّ حضارةٍ ذات رسالةٍ تخضع لمقاييس تلك الرسالة وتتجنّب مناقضتها، سواء أكانت مستنبطةً منها أم لا.
هذا هو الواقع الذي يتبيّن بكلّ وضوحٍ لدى دراسة كلٍّ من الكيانين الحضاريّين المتصارعين اليوم على مسرح التفكير الاوروبّي.
وأمّا موقفنا من هذا الواقع فهو:
أولًا: أن نكون على حظٍّ عظيمٍ من الدقّة والوعي حينما نبحث عن الأفكار الاوروبّية، لأجل أن نستطيع تعريتها عن إطارها الرسالي، والتعرّف على مدى صلتها بهذا الإطار وتأثّرها به.
وهذا هو الموقف الوسط الذي يجب أن يقفه المسلم الواعي من كلّ تفكيرٍ اوروبّيٍّ يتّصل من قريبٍ أو بعيدٍ بالحقول التي تعالجها الرسالة وتمتّد إليها القاعدة الفكرية، فليس من الصحيح إغفال هذه الناحية الخطيرة (ناحية الصلة بين الفكرة ودراسة الفكرة) بغضّ النظر عمّا قد يكون لها من إطارٍ خاصٍّ، أو قد يكون فيها