وبهذا الصدد يمكن أن نلاحظ موقفه من «صلح الحديبية»[1] واحتجاجه على هذا الصلح، وموقفه من الأذان وتصرّفه فيه بإسقاط (حيّ على خير العمل)، وموقفه من النبي صلى الله عليه و آله حين شرّع (متعة الحج)[2] إلى غير ذلك من مواقفه الاجتهادية[3].

وقد انعكس كلا الاتّجاهين في مجلس الرسول صلى الله عليه و آله في آخر يوم من أيّام حياته؛ فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس، قال: «لمّا حضر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطّاب، قال النبي: هلمّ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده. فقال عمر: إنّ النبي صلى الله عليه و آله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب اللَّه. فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم مَن يقول: قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلّوا بعده، ومنهم مَن يقول ما قال عمر، فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال لهم: قوموا»[4].

وهذه الواقعة وحدها كافية للتدليل على عمق الاتّجاهين ومدى التناقض والصراع بينهما.

ويمكن أن نضيف إليها- لتصوير عمق الاتجاه الاجتهادي ورسوخه- ما حصل من نزاع وخلاف بين الصحابة حول تأمير «اسامة بن زيد» على‏

 

[1] السيرة النبوية لابن هشام( 3- 4): 316- 317

[2] التاج الجامع للُاصول 2: 124، مسند أحمد 5: 590، الحديث 19340

[3] انظر المستدرك على الصحيحين 2: 196، صحيح البخاري 2: 252. وراجع النصّ والاجتهاد: 208 وما بعدها

[4] انظر صحيح البخاري 1: 37، كتاب العلم، و 5: 137- 138