فإذا كان اهتمام الرسول صلى الله عليه و آله بقضية من قضايا الدعوة العسكريّة يبلغ إلى هذه الدرجة وهو يجود بنفسه على فراش الموت، ولا يمنعه علمه بأ نّه سيموت قبل أن يقطف ثمار تلك المعركة عن تبنّيه لها وأن تكون همّه الشاغل وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة … فكيف يمكن أن نتصوّر أنّ النبي صلى الله عليه و آله لا يعيش هموم مستقبل الدعوة، ولا يخطّط لسلامتها بعد وفاته من الأخطار المترقّبة؟!

وأخيراً، فإنّ في سلوك الرسول صلى الله عليه و آله في مرضه الأخير رقماً واحداً يكفي‏لنفي الطريق الأوّل، وللتدليل على أنّ القائد الأعظم كان أبعد ما يكون عن فرضيةالموقف السلبي تجاه مستقبل الدعوة وعدم الشعور بالخطر أو عدم الاهتمام‏بشأنه، وهذا الرقم أجمعت صحاح المسلمين جميعاً سنّة وشيعة على نقله، وهو أنّ‏الرسول لما حضرته الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال صلى الله عليه و آله: «ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً»[1]؛ فإنّ هذه المحاولة من القائد الكريم المتّفق على نقلها وصحّتها،

 

[1] مسند أحمد 1: 355، وصحيح مسلم 5: 76 في آخر الوصايا، والطبقات الكبرى 2: 242، وقريب منهما في صحيح البخاري 1: 37 كتاب الوصية و 8: 161 كتاب الاعتصام