ولهذا ظلّ ميزان المرجعيّة الفكرية يتأرجح فترة من الزمن، وظلّ الخلفاء في كثير من الحالات يتعاملون مع الإمام علي عليه السلام على أساس إمامته الفكرية، أو على أساس قريب من ذلك حتّى قال الخليفة الثاني مرّات عديدة: «لولا عليّ لهلك عمر»، و «لا أبقاني اللَّه لمعضلة ليس لها أبو حسن»[1].

ولكن بمرور الزمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله وتعوّد المسلمين تدريجاً على النظر إلى أهل البيت والإمام عليّ عليه السلام بوصفهم أشخاصاً اعتياديين ومحكومين أمكن الاستغناء عن مرجعيّتهم الفكرية أساساً وإسنادها إلى بديل معقول، وهذا البديل ليس هو شخص الخليفة، بل الصحابة، وهكذا وضع بالتدريج مبدأ مرجعيّة الصحابة ككلّ بدلًا عن مرجعيّة أهل البيت، وهو بديل يستسيغه النظر بعد تجاوز المرجعيّة المنصوصة؛ لأنّ هؤلاء هم الجيل الذي رافق النبي صلى الله عليه و آله وعاش حياته وتجربته ووعى حديثه وسنّته.

وبهذا فقد أهل البيت عمليّاً امتيازهم الربّاني وأصبحوا يشكّلون جزءاً من المرجعيّة الفكرية بوصفهم صحابة. وبحكم ما قدّر أن عاشه الصحابة أنفسهم من اختلافات حادّة وتناقضات شديدة بلغت في كثير من الأحيان إلى مستوى القتال، وهدر كلّ فريق دم الفريق الآخر وكرامته واتّهامه بالانحراف والخيانة[2].

أقول: بحكم هذه الاختلافات والاتّهامات بين صفوف الإمامة الفكريّة والمرجعيّة العقائدية نفسها، نشأت ألوان من التناقض العقائدي والفكري في‏

 

[1] ذخائر العقبى: 82، مناقب الخوارزمي: 81، الطبقات الكبرى 2: 339

[2] راجع تاريخ الطبري 3: 280