أوّلًا- الاتجاه الذي يؤمن بالتعبّد بالدين وتحكيمه والتسليم المطلق للنص الديني في كلّ جوانب الحياة.
وثانياً- الاتّجاه الذي لا يرى أنّ إيمانه بالدين يتطلّب منه التعبّد إلّافي نطاق خاصّ من العبادات والغيبيّات، ويؤمن بإمكانيّة الاجتهاد وجواز التصرّف على أساسه بالتغيير والتعديل في النصّ الديني وفقاً للمصالح في غير ذلك النطاق من مجالات الحياة.
وبالرغم من أنّ الصحابة- بوصفهم الطليعة المؤمنة والمستنيرة- كانوا أفضل وأصلح بذرة لنشوء امّة رساليّة، حتّى أنّ تاريخ الإنسان لم يشهد جيلًا عقائدياً أروع وأطهر وأنبل من الجيل الذي أنشأه الرسول القائد … وبالرغم من ذلك نجد من الضروري التسليم بوجود اتّجاه واسع منذ كان النبي صلى الله عليه و آله على قيد الحياة، يميل إلى تقديم الاجتهاد في تقدير المصلحة واستنتاجها من الظروف على التعبّد بحرفيّة النصّ الديني، وقد تحمّل الرسول صلى الله عليه و آله المرارة في كثير من الحالات بسبب هذا الاتّجاه حتّى وهو على فراش الموت في ساعاته الأخيرة على ما يأتي.
كما كان هناك اتّجاهٌ آخر يؤمن بتحكيم الدين والتسليم له والتعبّد بكلّ نصوصه في جميع جوانب الحياة.
وقد يكون من عوامل انتشار الاتّجاه الثاني (الاجتهادي) في صفوف المسلمين أ نّه يتّفق مع ميل الإنسان بطبيعته إلى التصرّف وفقاً لمصلحة يدركها ويقدّرها، بدلًا عن التصرّف وفقاً لقرار لا يفهم مغزاه.
وقد قدّر لهذا الاتّجاه ممثّلون جريئون من كبار الصحابة، من قبيل عمر ابن الخطّاب الذي ناقش الرسول صلى الله عليه و آله واجتهد في مواضع عديدة خلافاً للنصّ، إيماناً منه بأنّ له مثل هذا الحق ما دام يرى أ نّه لم يخطئ المصلحة في اجتهاده.