ففي إطار هذه الامور الستّة نجد أنّ التربية النبويّة أنتجت إنتاجاً عظيماً، وحقّقت تحوّلًا فريداً، وأنشأت جيلًا صالحاً مؤهّلًا لما استهدفه النبي من تكوين قاعدة شعبية صالحة للالتفاف حول الزعامة القائدة للتجربة الجديدة وإسنادها، ولهذا نجد أنّ ذلك الجيل كان يؤدّي دوره كقاعدة شعبيّة صالحة ما دامت الزعامة القائدة الرشيدة كانت قائمة في شخص النبي، ولو قدّر لهذه الزعامة أن تأخذ مسارها الرباني لظلّت القاعدة تؤدّي دورها الصالح. غير أنّ هذا لا يعني بحال من الأحوال أ نّها مهيّأة فعلًا لكي تتسلّم هذه الزعامة وتقود بنفسها التجربة الجديدة؛ لأنّ هذه التهيئة تتطلّب درجة أكبر من الإنصهار الروحي والإيماني بالرسالة، وإحاطة أوسع كثيراً بأحكامها ومفاهيمها ووجهات نظرها المختلفة عن الحياة، وتطهيراً أشمل لصفوفها من المنافقين والمندسّين والمؤلّفة قلوبهم الذين كانوا لا يزالون يشكّلون جزءاً من ذلك الجيل له أهمّيته العدديّة ومواقعه التاريخية، كما أنّ له آثاره السلبيّة بدليل حجم ما تحدّث به القرآن الكريم عن المنافقين ومكائدهم ومواقفهم[1].
وتواجد أفراد في ذلك الجيل قد استطاعت التجربة أن تبنيهم بناءاً رساليّاً رفيعاً وتصهرهم في بوتقتها، كسلمان وأبي ذرّ وعمّار وغيرهم، أقول: إنّ تواجد هؤلاء الأفراد ضمن ذلك الجيل الواسع، لا يبرهن على أنّ ذلك الجيل ككلّ بلغ إلى الدرجة التي تبرّر إسناد مهام التجربة إليه على أساس الشورى.
وحتّى اولئك الأفراد الذين مثّلوا النمط الرفيع رساليّاً من ذلك الجيل لا يوجد في أكثرهم ما يبرّر افتراض كفاءتهم الرساليّة لزعامة التجربة من الناحية
[1] راجع تفسير سورة( المنافقون)