مصادر اخرى غير الكتاب والسنّة، كالاستحسان والقياس، وغيرهما من ألوان الاجتهاد التي يتمثّل فيها العنصر الذاتي للمجتهد، الأمر الذي أدّى إلى تسرّب شخصيّة الإنسان بذوقه وتصوّراته الخاصّة إلى التشريع.
وهذا الاتّجاه أبعد ما يكون عن عمليّة الإعداد الرسالي الخاص التي كانت تتطلّب تثقيفاً واسعاً لذلك الجيل وتوعية له على حلول الشريعة للمشاكل التي سوف يواجهها عبر قيادته.
وكما أمسك الصحابة عن مبادرة النبي بالسؤال كذلك أمسكوا عن تدوين آثار الرسول الأعظم وسنّته، على الرغم من أ نّها المصدر الثاني من مصادر الإسلام ومن أنّ التدوين كان هو الاسلوب الوحيد للحفاظ عليها وصيانتها من الضياع والتحريف، فقد أخرج الهروي في ذمّ الكلام عن طريق يحيى بن سعد عن عبد اللَّه بن دينار قال: لم يكن الصحابة ولا التابعون يكتبون الأحاديث، إنّما كانوا يؤدّونها لفظاً ويأخذونها حفظاً[1].
بل إنّ الخليفة الثاني- على ما في طبقات ابن سعد- ظلّ يفكّر في الموقف الأفضل تجاه سنّة الرسول، واستمرّ به التفكير شهراً ثمّ أعلن منعه عن تسجيل شيء من ذلك[2]، وبقيت سنّة الرسول الأعظم- التي هي أهمّ مصدر للإسلام بعد الكتاب الكريم- في ذمّة القدر يتحكّم فيها النسيان تارةً والتحريف اخرى وموت الحفّاظ ثالثة طيلة مائة وخمسين سنة تقريباً.
ويستثنى من ذلك اتّجاه أهل البيت، فإنّهم دأبوا على التسجيل والتدوين
[1] سنن الدارمي 1: 130
[2] الطبقات الكبرى 3: 287