ومصيرها بعد وفاته أ نّه بالرغم من شعوره بخطر هذه السلبيّة لا يحاول تحصين الدعوة ضدّ ذلك الخطر؛ لأنّه ينظر إلى الدعوة نظرة مصلحيّة، فلا يهمّه إلّاأن يحافظ عليها ما دام حياً ليستفيد منها ويستمتع بمكاسبها، ولا يعنى بحماية مستقبلها بعد وفاته.
وهذا التفسير لا يمكن أن يصدق على النبي صلى الله عليه و آله، حتّى إذا لم نلاحظه بوصفه نبيّاً ومرتبطاً باللَّه سبحانه وتعالى في كلّ ما يرتبط بالرسالة، وافترضناه قائداً رساليّاً كقادة الرسالات الاخرى؛ لأنّ تاريخ القادة الرساليين لا يملك نظيراً للقائد الرسول في إخلاصه لدعوته وتفانيه فيها وتضحيته من أجلها إلى آخر لحظة من حياته، وكلّ تاريخه يبرهن على ذلك. وقد كان صلى الله عليه و آله على فراش الموت وقد ثقل مرضه وهو يحمل همّ معركة كان قد خطّط لها وجهّز جيش «اسامة» لخوضها، فكان يقول: جهّزوا جيش اسامة، أنفذوا جيش اسامة، أرسلوا بعث اسامة. ويكرّر ذلك ويغمى عليه بين الحين والحين[1].
فإذا كان اهتمام الرسول صلى الله عليه و آله بقضية من قضايا الدعوة العسكريّة يبلغ إلى هذه الدرجة وهو يجود بنفسه على فراش الموت، ولا يمنعه علمه بأ نّه سيموت قبل أن يقطف ثمار تلك المعركة عن تبنّيه لها وأن تكون همّه الشاغل وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة … فكيف يمكن أن نتصوّر أنّ النبي صلى الله عليه و آله لا يعيش هموم مستقبل الدعوة، ولا يخطّط لسلامتها بعد وفاته من الأخطار المترقّبة؟!
وأخيراً، فإنّ في سلوك الرسول صلى الله عليه و آله في مرضه الأخير رقماً واحداً يكفي لنفي الطريق الأوّل، وللتدليل على أنّ القائد الأعظم كان أبعد ما يكون عن فرضية
[1] انظر الكامل في التاريخ( لابن الأثير) 2: 318، والطبقات الكبرى( لابن سعد) 2: 249