الأساس بذلت كلّ جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة، وتحمّلت في سبيل ذلك كثيراً من السلبيات، وظهرت أحياناً بمظاهر القسوة والطغيان حينما اضطرّها تأمين مواقعها إلى ذلك، وكانت حملات الاعتقال والمطاردة مستمرّةً للأئمّة أنفسهم، على الرغم ممّا يخلّفه ذلك من شعورٍ بالألم أو الاشمئزاز عند المسلمين وللناس الموالين على اختلاف درجاتهم.
إذا أخذنا هذه النقاط الستَّ بعين الاعتبار- وهي حقائق تاريخية لا تقبل الشكّ- أمكن أن نخرج بنتيجة، وهي أنّ ظاهرة الإمامة المبكّرة كانت ظاهرةً واقعيةً ولم تكن وهماً من الأوهام؛ لأنّ الإمام الذي يبرز على المسرح وهو صغير فيعلن عن نفسه إماماً روحياً وفكرياً للمسلمين، ويدين له بالولاء والإمامة كلّ ذلك التيّار الواسع، لا بدّ أن يكون على قدرٍ واضحٍ وملحوظٍ بل وكبيرٍ من العلم والمعرفة وسعة الافق والتمكّن من الفقه والتفسير والعقائد؛ لأنّه لولم يكن كذلك لَما أمكن أن تقتنع تلك القواعد الشعبية بإمامته، مع ما تقدّم من أنّ الأئمّة كانوا في مواقع تُتيح لقواعدهم التفاعل معهم، وللأضواء المختلفة أن تُسلّط على حياتهم وموازين شخصيتهم.
فهل ترى أنّ صبيّاً يدعو إلى إمامة نفسه وينصب منها علماً للإسلام وهو على مرأىً ومسمع من جماهير قواعده الشعبية، فتؤمن به وتبذل في سبيل ذلك الغالي من أمْنِها وحياتها بدون أن تكلِّف نفسها اكتشاف حاله، وبدون أن تهزّها ظاهرة هذه الإمامة المبكّرة لاستطلاع حقيقة الموقف وتقويم هذا الصبيّ الإمام؟
وَهَبْ أنّ الناس لم يتحرّكوا لاستطلاع المواقف، فهل يمكن أن تمرّ المسألة أيّاماً وشهوراً بل أعواماً دون أن تتكشّف الحقيقة على الرغم من التفاعل الطبيعي المستمرّ بين الصبيّ الإمام وسائر الناس؟ وهل من المعقول أن يكون صبياً في فكره وعلمه حقّاً ثمّ لا يبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل؟