العسكري- والد القائد المنتظر- تولّى الإمامة وهو في الثانية والعشرين من عمره‏[1]، ويلاحظ أنّ ظاهرة الإمامة المبكّرة بلغت ذروتها في الإمام المهديّ عليه السلام والإمام الجواد عليه السلام ونحن نسمّيها ظاهرةً؛ لأنّها كانت بالنسبة إلى عددٍ من آباء المهدي عليه السلام تشكِّل مدلولًا حسّياً عملياً عاشه المسلمون ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكلٍ وآخر، ولا يمكن أن نُطالب بإثباتٍ لظاهرةٍ من الظواهر أوضح وأقوى من تجربة امّة. ونوضّح ذلك ضمن النقاط التالية:

أ- لم تكن إمامة الإمام من أهل البيت مركزاً من مراكز السلطان والنفوذ التي تنتقل بالوراثة من الأب إلى الابن، ويدعمها النظام الحاكم، كإمامة الخلفاء الفاطميّين، وخلافة الخلفاء العباسيّين، وإنّما كانت تكتسِب ولاءَ قواعدها الشعبية الواسعة عن طريق التغلغل الروحي والإقناع الفكري لتلك القواعد بجدارة هذه الإمامة لزعامة الإسلام وقيادته على اسسٍ روحيةٍ وفكرية.

ب- إنّ هذه القواعد الشعبية بنيت منذ صدر الإسلام وازدهرت واتّسعت على عهد الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، وأصبحت المدرسة التي رعاها هذان الإمامان في داخل هذه القواعد تشكِّل تيّاراً فكرياً واسعاً في العالم الإسلامي، يضمّ المئات من الفقهاء والمتكلِّمين والمفسِّرين والعلماء في مختلف ضروب المعرفة الإسلامية والبشرية المعروفة وقتئذٍ، حتى قال الحسن بن عليّ الوشّاء:

إنّي دخلت مسجد الكوفة فرأيت فيه تسعمائة شيخٍ كلّهم يقولون: حدّثنا جعفر بن محمد[2].

ج- إنّ الشروط- التي كانت هذه المدرسة وما تُمثّله من قواعد شعبيةٍ في‏

 

[1] راجع التتمّة في تواريخ الأئمة: 106

[2] رجال النجاشي: 40