باستصحاب بقاء الكرّية كون الملاقاة فعلًا ملاقاةً للكرّ؛ لأنّ لازم كون هذا الماء باقياً على كرّيته مع كونه ملاقياً فعلًا للنجس أنّ هذه الملاقاة منسوبة إلى الكرّ بماهو كرّ، فعروض الملاقاة للكرّ وتقيّدها به لازم عقليّ لاستصحاب الكرّية إلى حين الملاقاة، فيكون الاستصحاب مثبتاً. فالبناء على صحة إجراء استصحاب الكرّية يكشف عن عدم أخذ الملاقاة في دليل الاعتصام منسوبةً إلى الكرّ بما هو كرّ.
وقد يعترض على التمسّك بدليل اعتصام الكرّ بصيغةٍ اخرى مغايرةٍ لصيغة المستمسك، وذلك بأن يقال: إنّ الظاهر من قوله: «إذا بلغ الماء قدر كرٍّ لا ينجّسه شيء» أنّ موضوع الحكم بالاعتصام ما كان كرّاً بقطع النظر عن ملاقاة النجس، فالملاقاة والكرّية وإن لم تؤخذ الثانية منهما موضوعاً للُاولى وإنّما اخذ الماء موضوعاً لهما معاً إلّاأنّ الكرّية قد اريد بها الكرّية الثابتة بقطع النظر عن الملاقاة.
وهذه الصيغة أيضاً لا تخلو من إشكال؛ لأنّ دعوى أنّ المراد بالكرّية الكرّية الثابتة- بقطع النظر عن الملاقاة- مرجعها إلى دعوى تقييدٍ في شرط القضية الشرطية، وهذا التقييد بحاجةٍ إلى إبراز قرينة. فلو فرض- مثلًا- أنّ ملاقاة ماءٍ قليلٍ لقطرة دمٍ توجب تكويناً نموَّه وزيادته في نفس آن الملاقاة لأمكن دعوى شمول إطلاق دليل الاعتصام له، مع أ نّه ليس كرّاً بقطع النظر عن الملاقاة، وإنّما صار كرّاً بملاقاة تلك القطرة.
وهذا يعني أنّ نكتة عدم شمول دليل الاعتصام لمحلّ الكلام ليس هو عدم كون الماء كرّاً بقطع النظر عن الملاقاة للنجس، بل النكتة هي مساهمة النجس ضمناً في تكوين كرّيته، إذ تكوَّن الكرّ من الطاهر والنجس معاً، وهذا لا يشمله دليل اعتصام الكرّ؛ لأنّ هذا الدليل ينفي حدوث النجاسة بالملاقاة، وبهذه القرينة يختصّ موضوعه بماءٍ طاهرٍ لولا الملاقاة، إذ أنّ ما يكون نجساً بقطع النظر عن