الثاني: أن نفترض أنّ العامّ الفوقيّ الذي تكون أخبار المساحة وأدلّة اعتصام الكرّ طارئةً عليه هو العامّ الدالّ على انفعال طبيعيّ الماء بالملاقاة.
الثالث: أنّ الكرّ- رغم إجمال مساحته بعد تعارض روايات المساحة- لا يحتمل أن يكون المعتبر فيه مساحةً أكبر من اثنين وأربعين وسبعة أثمان، بل الأمر فيه مردَّد بين مساحاتٍ تبدأ بسبعةٍ وعشرينَ وتنتهي بذلك.
فإذا تمّت هذه الامور الثلاثة يمكن إثبات مذهب المشهور في التحديد؛ وذلك بأن يقال: إنّ أخبار المساحة بعد التعارض بينها تتساقط، وحينئذٍ تبقى مساحة الكرّ مشكوكة، وحيث إنّ أيّ مساحةٍ أقلّ من اثنين وأربعين وسبعة أثمانٍ لا يعلم بكفايتها في الكرّية فيرجع فيها إلى عموم الانفعال لعدم العلم بخروج ذلك المقدار منه، فيحكم بعدم اعتصام ما قلّ عن اثنين وأربعين وسبعة أثمان. وأمّا مابلغ هذا المقدار فحيث لا يحتمل أن تكون مساحة الكرّ أكبر من ذلك فيكون هو المتيقّن خروجه عن عموم الانفعال، فيحكم باعتصامه.
ومن أجل تمحيص هذا الطريق لابدّ من تحقيق حال الامور الثلاثة، ولنبدأ بالثالث وننتهي إلى الأوّل:
أمّا الثالث فكون الماء البالغة مساحته اثنين وأربعين وسبعة أثمانٍ كرّاً- على كلّ حالٍ- يحتاج إلى دليل.
وما يمكن الاستدلال به على تيقّن الكرّية في هذا المقدار: إمّا دعوى الإجماع من قبل الفقهاء؛ لأنّهم على اختلافهم في تحديد المساحة متّفقون على أ نّها لا تزيد على ذلك.
وإمّا دعوى التمسّك بالدلالة الالتزامية لنفس أخبار المساحة، فإنّها رغم تعارضها في المدلول المطابقيّ تدلّ- جميعاً- بالالتزام على أنّ الكرّ لا يزيد على 78 42، فيؤخذ بالمدلول الالتزاميّ لها؛ لعدم المعارض له.