وعلى هذا الضوء يمكن أن نفسّر التنزيل في قوله: «ماء الحمّام بمنزلة الماء الجاري» على أساس أ نّه في مقام مناقشة هذا التشكّك، بتوضيح: أنّ جريان ماء الحمّام لا ينافي وحدته، كما أنّ جريان الماء الجاري الطبيعيّ لا ينافي وحدته، فكأ نّه يريد أن يقول: كما أنّ الماء الجاري الطبيعيّ لا يخرج بالجريان عن الوحدة إلى التعدّد كذلك لا يخرج ماء الحمّام بالجريان عن الوحدة إلى التعدّد.
وفي مقام إفادة هذا المعنى لا يلزم ملاحظة خصوص المياه الجارية الكثيرة؛ لأنّ المقصود ليس إلّابيان أنّ الجريان في الماء لا يعدّد الماء المفروض وحدته لولا الجريان. وهذا معنى لا يفرق فيه بين الماء الجاري الكثير، والماء الجاري القليل، فلا يرد حينئذٍ على البيان المذكور أ نّه لا قرينة على ملاحظة خصوص الكثير من الماء الجاري ومجرّد الغلبة خارجاً لا يوجب الانصراف وظهور اللفظ في الخاصّ.
ومنها: رواية ابن بزيع[1] المتقدّمة، وما قيل أو يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال بها وجوه عديدة:
الوجه الأوّل: مبنيّ على ملاحظة صدر الرواية بدون حاجةٍ إلى ضمّ التعليل المستفاد من قوله: «لأنّ له مادّة»؛ وذلك بأن يقال: إنّ صدر الرواية- وهو قوله:
«ماء البئر واسع لا ينجّسه شيء»- صريح في اعتصام ماء البئر وعدم انفعاله، وهذا بنفسه يكفي للحكم باعتصام كلّ ما لَه مادّة من مياه العيون، بحيث لو كانت رواية ابن بزيع تقتصر على هذا الصدر لكفى في إثبات المطلوب؛ لأنّ مياه العيون تشترك مع ماء البئر في وجود المادة، وتختلف عنه في أ نّه واقع في قعر الأرض، بخلاف مياه العيون النابعة على سطحها.
[1] وسائل الشيعة 1: 141، الباب 3 من أبواب الماء المطلق، الحديث 12