ولنا جواب ثالث على الإشكال الذي نشأ من كون كلمة «ماء» نكرةً في سياق الإثبات، وحاصله: أنّ الإشكال المذكور مبنيّ على أن يكون التنوين في كلمة «ماء» للتنكير؛ لكي تكون الكلمة نكرةً في سياق الإثبات، ودالةً على قيد الوحدة المانع عن الشمول لتمام الأفراد.
ولكن قد يقال في مقابل ذلك: إنّ التنوين هو تنوين التمكين، لا التنكير، وتنوين التمكين يؤتى به لإشباع حاجة الكلمة المعرَبة؛ لأنّ الكلمة المعرَبة في لسان العرب تستند إلى اللام في أوّلها، أو إلى التنوين في آخرها، ولا تستقرّ مجرّدةً عن ذلك، فحال هذا التنوين التمكينيّ، حال اللام، لا يقيّد الكلمة بقيد الوحدة، وإنّما اريد من الكلمة نفس الماهية، فيتمّ الإطلاق الشموليّ لكلمة «ماء» في الآية، كما لو كانت الكلمة معرّفةً باللام ببركة مقدّمات الحكمة.
وممّا يشهد لكون التنوين في كلمة «ماء» للتمكين لا للتنكير: قوله تعالى بعد تلك الجملة: «لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً …»[1]، فإنّ المراد من هذه العبارة الامتنانية جنس البلدة، لا بلدةً واحدة، وإلّا لم تكن امتناناً على جميع الناس.
وبمقتضى قرينة وحدة السياق يظهر كون المراد من التنوين في «ماء» هو التمكين أيضاً، لا التنكير. وهذا هو الجواب الصحيح عن الإشكال.
ولكن هنا نكتة توجب ارتفاع موضوع أصل الإشكال وأجوبته، بما فيها هذا الجواب الذي حقّقناه.
وبيان هذه النكتة هو: أنّ المستشكل والمجيب كأ نّهما اتّفقا على أنّ كلمة «ماء» في الآية الكريمة لو كانت مع اللام بدلًا عن التنوين لتمّ الإطلاق الشموليّ لجميع المياه، وإنّما المانع عن ذلك هو التنوين، فيتكلّم في مانعيّته، وعدمه.
[1] الفرقان: 49