وليس هذا من اجتماع المثلين على موضوعٍ واحد لأنّ كلّ حمرةٍ قائمة بمادّتها الأصيلة، وإنّما تضاف حمرتان أو أكثر إلى الماء نتيجةً لانتشار المواد الحاملة لتلك الاحمرارات فيه.
وقد يقال: إنّ هذا البيان يقوم على أساس التحليل الواقعيّ لكيفية تغيّر الماء بلون الصبغ أو الدم التي تعني في الحقيقة انتشار أجزاء الأحمر في الماء دون أن يكتسب الماء لون الحمرة واقعاً. فإنّا من زاوية هذا التحليل يمكن أن نفترض حدوث حمرتين في الماء إحداهما بعد الاخرى، إذ توجد حمرة الصبغ أوّلًا، ثمّ حمرة الدم ثانياً، دون أن يلزم محذور اجتماع المثلين. ولكنّ هذه الزاوية تحليلية وليست عرفية، بل العرف يقيم مفهومه عن كيفية تغيّر الماء بلون الصبغ أو الدم علىأساس ما يتراءى في الإدراك الحسّيّ- ولو خطأً- من ثبوت الحمرة للماء، فالنظر العرفيّ يرى أنّ الماء حينما يُلقى فيه الصبغ يصبح أحمر؛ لأنّ الأحمر ينتشر فيه فقط، وبهذا المنظار العرفيّ لا نرى تغيّراً في هذا الماء المصبوغ إذا القي فيه الدم بعد ذلك؛ لأنّ الدم المُلقى إن أثّر في شدّة الحمرة المرئية رجع هذا إلى وجهٍ سابق، وإن لم يؤثّر شدّةً فلا نرى بالمنظار العرفيّ حمرةً جديدة، فلا تغيّر في نظر العرف.
وعلى ضوء ما قلناه يتبيّن الحال في التغيّر التقديري الذي يستند عدم فعليته إلى عدم المقتضي، أو انتفاء الشرط، فإنّ مهمّ الوجوه التي قد يمكن الاعتماد عليها- فيما تقدّم- لا تأتي في موارد التقدير من ناحية المقتضي أو الشرط، فمقتضى ظهور أخبار التغيير في إناطة الحكم بالنجاسة في الماء المعتصم بالتغيير- إثباتاً ونفياً- كون المناط فعلية التغيير، كما هو الحال في سائر العناوين المأخوذة في موضوعات الأدلّة، فإنّها ظاهرة في الفعلية، وتوقّف الحكم على فعلية وجود تلك العناوين، ولا يكفي وجودها التقديري.