فإن قلنا بالأول أمكن الالتزام بجريان كلا الاستصحابين: استصحاب الطهارة في الكرّ، واستصحاب النجاسة في الماء المتغيّر، بناءً على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.
ولا معارضة بين الاستصحابين؛ لأنّ مجرّد العلم الإجماليّ بمخالفة أحدهما للواقع لا يوجب التعارض ما لم يؤدِّ جريانهما معاً إلى المخالفة العملية القطعية لتكليفٍ معلومٍ بالإجمال.
وحيث لا يوجد في المقام علم إجماليّ بالتكليف أصلًا فلا محذور في جريان الاستصحابين معاً، بل قد يُدَّعى حينئذٍ أنّ استصحاب النجاسة يكون موجباً لِلَغْويّة جريان استصحاب الطهارة، إذ لا أثر للحكم بطهارة ماءٍ مختلطٍ بالنجس، بخلاف استصحاب الطهارة فإنّه لا يوجب لَغْوية التعبّد بنجاسة الماء المختلط به، كما هو واضح، فيجري استصحاب النجاسة فيما كان متغيّراً، ولا يجري استصحاب الطهارة في الكرّ، لا للمعارضة، بل لِلَّغْوية.
وإن قلنا بالثاني- أي بأنّ الماء الواحد لا يتبعّض واقعاً وظاهراً- فالاستصحابان متعارضان، بناءً على جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية.
ولكن على مبنى السيّد الاستاذ- القائل بعدم جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية[1]– كان ينبغي له أن يتمسّك باستصحاب الطهارة في الكرّ؛ لأنّه يفصل بين الأحكام الإلزامية والأحكام الترخيصية، فهو يرى أنّ الاستصحاب في الشبهة الحكمية لا يجري في الحكم الإلزامي، ولكنّه يجري في الأحكام الترخيصية، من قبيل الطهارة أو الإباحة، فكان بإمكان السيّد الاستاذ- على مبناه- أن يجري استصحاب الطهارة في الماء الكرّ.
[1] مصباح الاصول 3: 40