کتابخانه
203

كانا في زمان يتعارضان مع الطبيعة ومع الكائن، عندئذٍ يؤدّي ذلك بنا حتماً إلى أن نجد- رائعاً جدّاً- كون وعينا للطبيعة وتفكير الكائن وقوانين الفكر متطابقة إلى أبعد حد.

ولكن إذا تساءلنا: ما هو الفكر؟ وما هو الوعي؟ ومن أين يأتيان؟ وجدنا أنّ الإنسان هو نفسه نتاج للطبيعة، نما في بيئة ومع نموّ هذه البيئة، وعندئذٍ يصبح في غنىً عن البيان:

كيف أنّ منتوجات الذهن البشري التي هي- أيضاً- عند آخر تحليل منتوجات للطبيعة ليست في تناقض، وإنّما في توافق مع سائر الطبيعة المترابطة»[1].

إنّ الفكر في المفهوم الماركسي جزء من الطبيعة أو نتاج أعلى لها.

ولنفترض أنّ هذا صحيح- وليس هو بصحيح- فهل يكفي ذلك لأجل أن نبرهن على إمكان معرفة الطبيعة بصورة كاملة؟!

صحيح أنّ الفكر إذا كان جزءاً من الطبيعة ونتاجاً لها فهو يمثّل بطبيعة الحال قوانينها، ولكن ليس معنى هذا: أنّ الفكر بهذا الاعتبار يصبح معرفة صحيحة للطبيعة وقوانينها.

أوَ ليس الفكر الميتافيزيقي أو المثالي فكراً، وبالتالي جزءاً من الطبيعة ونتاجاً لها- في الزعم المادّي؟!- أوَ ليست جميع محتويات العمليات الفيزيولوجية ظواهر طبيعية ونتاجاً للطبيعة؟!

فقوانين الطبيعة- إذن- تتمثّل في تفكير المادّي الجدلي وتجري عليه، وفي التفكير المثالي والميتافيزيقي على السواء، كما تتمثّل في جميع العمليات‏

 

[1] ما هي المادّية؟: 46- 47

202

على وجود أسباب لها خارج نطاقها، فكيف نستطيع أن نعترف للفكرة بأكثر من هذه الدلالة الغامضة؟!
وهب أنّ الماركسية نجحت في تفسير الفكر والإدراك بعملية تحوّل للحركة الفيزيائية إلى حركة نفسية، فهل يعني هذا: أنّ الفكرة تستطيع أن تطابق الواقع الموضوعي بصورة كاملة؟! إنّ هذا التفسير يجعلنا ننظر إلى الفكرة وواقعها الخارجي كما ننظر إلى الحرارة والحركة الآلية التي تتحوّل إليها.
ومن الواضح: أنّ الاختلاف الكيفي بين شكلي الحركة فيهما يجعلهما غير متطابقين، فكيف نفترض التطابق بين الفكرة وواقعها الموضوعي؟!
ويبدو على المدرسة الماركسية لون من الاضطراب والتشويش عند مواجهتها هذه المشكلة. ويمكننا أن نستخلص دليلين لها على هذه النقطة من عدّة نصوص متفرّقة ومشوّشة: أحدهما دليل فلسفي، والآخر دليل بيولوجي علمي.
أمّا الدليل الفلسفي فيلخّصه النصّ التالي:
«إنّ الفكر يستطيع أن يعرف الطبيعة معرفة تامّة؛ ذلك لأ نّه يؤلّف جزءاً منها؛ ذلك لأنّه نتاجها والتعبير الأعلى عنها.
إنّ الفكر هو الطبيعة تعي ذاتها في ضمير الإنسان. يقول لينين: «إنّ الكون هو حركة للمادّة تخضع لقوانين، ولمّا لم تكن معرفتنا إلّانتاجاً أعلى للطبيعة، لا يسعها إلّاأن تعكس هذه القوانين».
ولقد كان (أنجلز) يبيّن في كتابه (آنتي دوهرنغ): «أنّ المادّية الفلسفية هي وحدها التي تستطيع تأسيس قيمة المعرفة على دعائم متينة».
حين يؤخذ الوعي والفكر على أ نّهما شيئان معطيان،

201

لا تتحوّل بالإحساس إلى حركة نفسية، لأنّ التحوّل يعني تبدّل الحركة من شكل إلى شكل، ومن الواضح أنّ الحركة الطبيعية أو الفيزيائية للمادّة المحسوسة لا تتبدّل هكذا إلى حركة فيزيولوجية أو فكرية؛ إذ انّ معنى تبدّلها كذلك زوال الشكل الأوّل من الحركة، وبالتالي زوال المادّة التي تعبّر عن وجودها في ذلك الشكل الخاصّ.
فليست الحركة الموضوعية للشي‏ء المحسوس كحركة المطرقة، وليس الإحساس تحويلًا لتلك الحركة الموضوعية- التي هي كيفية وجود المادّة- إلى حركة نفسية، كما تتحوّل حركة المطرقة إلى حرارة، وإلّا لكان الإحساس عملية تبديل للمادّة إلى فكرة كما تتبدّل الحركة الآلية إلى حرارة.
وعلى هذا فليست مسألة الإدراك مسألة تحوّل الحركة الفيزيائية إلى حركة نفسية، الذي هو بعينه عبارة عن تحوّل الواقع الموضوعي إلى فكرة، بل يوجد للشي‏ء المحسوس والمدرَك واقع موضوعي، وللإحساس وجود آخر في نفوسنا، وما دام هناك وجودان: وجود ذاتي للإحساس أو الفكر، ووجود موضوعي للشي‏ء المحسوس، فلا نستطيع أن نفهم الصلة بين هذين الوجودين إلّاكما نفهم الصلة بين سبب ونتيجة، وكما نفهم العلاقة بين واقع وصورة منعكسة عنه.
ونواجه عند هذا بكلّ وضوح المسألة الأساسية التي نحن بصددها، وهي:
أنّ الفكرة ما دامت نتيجة للشي‏ء الموضوعي، وما دامت العلاقة المفهومة بينهما هي علاقة السببية، فلماذا يجب أن نفترض أنّ هذه النتيجة وسببها يختلفان عن سائر النتائج وأسبابها، ويمتازان عليها بخاصّة، وهي: أنّ النتيجة تصوِّر لنا سببها وتعكسه انعكاساً تامّاً؟!
فهناك كثير من الوظائف الفزيولوجية هي نتائج أسباب خارجية معيّنة، ولم نجد في واحدة من النتائج القدرة على تصوير سببها، وإنّما تدلّ دلالة غامضة

200

بالواقع الموضوعي على هذا الأساس، فزعمت أنّ الفكرة ليست صورة آلية محضاً لذلك الواقع، بل الواقع يتحوّل إلى فكرة؛ لأنّ كلًاّ منهما شكل خاصّ من أشكال الحركة، والفرق الكيفي بين أشكال الحركة وألوانها لا يمنع من تحليل الانتقال من شكل إلى آخر. فالمادّة الموضوعية لمّا كانت في كيفية وجودها شكلًا خاصّاً من الحركة، فتتحوّل هذه الحركة الفيزيائية للشي‏ء إلى حركة نفسية فيزيولوجية في حوّاسنا، وتتحوّل الحركة الفيزيولوجية إلى حركة نفسية للفكرة[1]، فليس موقف الفكر موقفاً سلبياً، وليس الانعكاس انعكاساً آلياً كما هو مفهوم الفكر لدى المادّية الآلية.

وهذه المحاولة من المادّية الديالكتيكية لا يمكن أن تنجح في كشف علاقة بين الشي‏ء والفكرة، عدا علاقة سبب بنتيجة، وعلاقة واقع بصورة منعكسة عنه؛ نظراً إلى أنّ تحوّل الحركة الفيزيائية للشي‏ء إلى حركة فيزيولوجية- وبالتالي إلى حركة نفسية- ليس هو المفهوم الصحيح أو التفسير المعقول للحسّ أو الفكر؛ فإنّ التحوّل يعني فناء الشكل الأوّل من الحركة والانتقال إلى شكل جديد، كما نقول في حركة المطرقة على السندان: إنّها تتحوّل إلى حرارة. والحرارة والحركة الآلية شكلان من أشكال الحركة. فالقوّة التي كانت تعبّر عن وجودها في شكل خاصّ من الحركة- وهو الحركة الآلية- تحوّلت من ذلك الشكل إلى تعبير جديد لها في شكل جديد، وهو الحرارة. فالحرارة تحتفظ بنفس مقدار القوّة التي كانت تعبّر عن وجودها بالحركة الآلية. هذا هو التحوّل بمعناه الدقيق للحركة من لون إلى آخر. ولنفترض أ نّه أمر معقول، ولكن ليس من المعقول تفسير الحسّ أو الفكر بعملية تحوّل كهذه؛ وذلك لأنّ الحركة الفيزيائية للواقع الموضوعي المحسوس‏

 

[1] لاحظ: ما هي المادّية؟: 48

199

ونجيب بالنفي ما دام الإدراك في المفهوم المادّي عملًا فزيولوجياً خالصاً.
ويلزمنا في هذا الصدد أن نعرف لون العلاقة القائمة بين الإدراك أو الفكرة أو الإحساس، والشي‏ء الموضوعي في المفهوم المادّي، على أساس المادّية الآلية، وعلى أساس المادّية الديالكتيكية معاً:
أمّا على اساس المادّية الآلية، فالصورة أو الإدراك الحسّي انعكاس للواقع الموضوعي في الجهاز العصبي انعكاساً آلياً، كما تنعكس الصورة في المرآة أو العدسة؛ فإنّ المادّية الآلية لا تعترف للمادّة بحركة ونشاط ذاتي، وتفسّر جميع الظواهر تفسيراً آلياً، ولذلك لا يمكنها أن تفهم علاقات المادّة الخارجية بالنشاط الذهني للجهاز العصبي، إلّافي ذلك الشكل الجامد من الانعكاس.
وتواجه- حينئذٍ- السؤالين التاليين:
هل يوجد في الإحساس شي‏ء موضوعي، أي: شي‏ء ليس متعلّقاً بالإنسان، وإنّما انتقل إلى الحسّ من الواقع الخارجي للمادّة؟
وإذا كان يوجد شي‏ء من هذا القبيل في الإحساس، فكيف انتقل هذا الشي‏ء من الواقع الموضوعي إلى الإحساس؟
والمادّية الآلية لا تستطيع أن تجيب على السؤال الأوّل بالإثبات؛ لأنّها إذا أثبتت وجود شي‏ء موضوعي في الإحساس لزمها أن تبرّر كيفية انتقال الواقع الموضوعي إلى الإحساس الذاتي، أي: أن تجيب على السؤال الثاني وتفسّر عملية الانتقال، وهذا ما تعجز عنه، ولذا فهي مضطرّة إلى أن تضع نظرية الانعكاس، وتفسّر العلاقة بين الفكرة والشي‏ء الموضوعي، كما تفسّر العلاقة بين صورة المرآة أو العدسة، والواقع الموضوعي الذي ينعكس فيهما.
وأمّا المادّية الديالكتيكية- التي لا تجيز الفصل بين المادّة والحركة، وتعتبر كيفية وجود المادّة هي الحركة- فقد حاولت أن تعطي تفسيراً جديداً لعلاقة الفكرة

198

الأوّل- أنّ العلم البشري لمّا كان يرتكز- في نظر المبدأ الحسّي التجريبي- على الحسّ، والحسّ لا يتناول إلّاظواهر الطبيعة، ولا ينفذ إلى الصميم والجوهر، فهو مقصور على هذه الظواهر التي يمتدّ إليها الحسّ التجريبي، وتقوم بذلك هوّة فاصلة بين الظواهر والجوهر. فالظواهر هي الأشياء لذاتنا؛ لأنّها الجانب السطحي القابل للإدراك من الطبيعة، والجوهر هو الشي‏ء في ذاته، ولا تنفذ إليه المعرفة البشرية.
ويحاول (جورج بوليتزير) القضاء على هذه الثنائية بحذف المادّة أو الجوهر من الواقع الموضوعي، فهو يؤكّد على أنّ الجدل لا يميّز بين صفات الشي‏ء والشي‏ء في ذاته، بل يعتبر الشي‏ء عبارة عن مجموعة الصفات والظواهر.
ومن الواضح: أنّ هذا لون من ألوان المثالية التي نادى بها (باركلي) حين احتجّ على اعتقاد الفلاسفة بوجود مادّة وجوهر وراء الصفات والظواهر التي تبدو لنا في تجاربنا، وهو لون من المثالية يحتّمه المبدأ الحسّي والتجريبي. فما دام الحسّ هو القاعدة الأساسية للمعرفة، وهو لا يدرك سوى الظواهر، فلا بدّ من إسقاط الجوهر من الحساب، وإذا سقط فلا يبقى في الميدان إلّاالظواهر والصفات القابلة للإدراك.
الثاني- أنّ الظواهر- التي يمكن إدراكها ومعرفتها- ليست هي في مداركنا وحواسّنا كما هي في واقعها الموضوعي. فالثنائية ليست هنا بين الظاهرة والجوهر، بل بين الظاهرة كما تبدو لنا، والظاهرة كما هي موجودة بصورة موضوعية مستقلّة.
فهل تستطيع الماركسية أن تقضي على هذه الثنائية؟ وتبرهن على أنّ الواقع الموضوعي يبدو لنا في أفكارنا وحواسنا كما هو في مجاله الخارجي المستقلّ؟

197

هذا الواقع الموضوعي، فلا يمكن أن يقال عنه: إنّه غير قابل للمعرفة، فمن السخف أن تقول- مثلًا- شخصيّتك شي‏ء وصفاتك وعيوبك شي‏ء آخر، وأنا أعرف صفاتك وعيوبك ولكنّني لا أعرف شخصيّتك؛ ذلك لأنّ الشخصية هي بالضبط مجموع العيوب والصفات، وكذلك فنّ التصوير هو جماع أعمال الصور، فمن السخف أن نقول: هناك اللوحات والرسّامون والألوان والأساليب والمدارس، ثمّ هناك (تصوير) في ذاته معلّقاً فوق الواقع وغير قابل للمعرفة.

فليس هناك قسمان للواقع، بل الواقع كلّ واحد نكشف بالتطبيق وجوهه المختلفة على التوالي. وقد علّمنا الجدل أنّ الصفات المختفية للأشياء تكشف عن نفسها بواسطة الصراع الباطن للأضداد، وهو الذي يصنع التغيير، فحالة السيولة في ذاتها هي بالضبط حالة الاتّزان النسبي الذي ينكشف تناقضه الباطن في لحظة التجمّد أو الغليان. ومن هنا قال لينين:

«لا يوجد ولا يمكن أن يوجد أيّ فارق مبدئي بين الظاهرة والشي‏ء في ذاته، وليس ثمّة فرق إلّابين ما هو معروف وبين ما يعرف بعد» فكلّما ازداد عمق معرفتنا للواقع، أصبح الشي‏ء في ذاته تدريجياً شيئاً لذاتنا»[1].

ولأجل أن ندرس الماركسية في هذا النصّ، يجب أن نميّز بين معنيين لفكرة فصل الشي‏ء في ذاته عن الشي‏ء لذاتنا:

 

[1] المادّية والمثالية في الفلسفة: 108- 109

196
التجربة والشي‏ء في ذاته:

تحارب الماركسية فكرة الشي‏ء لذاته التي عرضها (كانت) في بعض أشكالها، كما تحارب الأفكار التصوّرية المثالية، فلننظر إلى اسلوبها في ذلك.
قال جورج بوليتزير:
«والواقع: أنّ الجدل- وحتّى الجدل المثالي عند هيجل- يقول: إنّ التمييز بين صفات الشي‏ء والشي‏ء في ذاته تمييز أجوف، فإذا عرفنا كلّ صفات شي‏ء ما عرفنا الشي‏ء ذاته، ثمّ يبقى أن تكون هذه الصفات مستقلّة عنّا، وفي هذا بالذات يتحدّد معنى مادّية العالم. ولكن ما دمنا نعرف صفات‏

195

الأزمة تحدث حتماً»[1].

وهذا لون جديد يتّخذه الماركسيون للردّ على المثالية، ف (جورج) لا يستند في هذا النصّ إلى حقائق علمية، وإنّما يركّز استدلاله على حقائق وجدانية، نظراً إلى أنّ كلّ واحد منّا يشعر بوجدانه أ نّه لا يتمنّى كثيراً من الحوادث التي تحدث، ولا يرغب في وجودها، ومع ذلك هي تحدث وتوجد خلافاً لرغبته، فلا بدّ- إذن- أن يكون للحوادث وتسلسلها المطّرد واقع موضوعي مستقلّ.

وليست هذه المحاولة الجديدة بأدنى إلى التوفيق من المحاولات السابقة؛ لأنّ المفهوم المثالي- الذي ترجع فيه الأشياء جميعاً إلى مشاعر وإدراكات- لا يزعم أنّ هذه المشاعر والإدراكات تنبثق عن اختيار الناس وإراداتهم المطلقة، ولا تتحكّم فيها قوانين ومبادئ عامّة، بل المثالية والواقعية متّفقتان على أنّ العالم يسير طبقاً لقوانين ومبادئ تجري عليه وتتحكّم فيه، وإنّما يختلفان في تفسير هذا العالم واعتباره ذاتياً موضوعياً.

والنتيجة التي نؤكّد عليها مرّة اخرى هي: أنّ من غير الممكن إعطاء مفهوم صحيح للفلسفة الواقعية، والاعتقاد بواقعية الحسّ والتجربة إلّاعلى أساس المذهب العقلي القائل بوجود مبادئ عقلية ضرورية مستقلّة عن التجربة. وأمّا إذا بدأنا البحث في مسألة المثالية والواقعية من التجربة أو الحسّ- اللذين هما مورد النزاع الفلسفي بين المثاليين والواقعيين-، فسوف ندور في حلقة مفرغة، ولا يمكن أن نخرج منها بنتيجة في صالح الواقعية الفلسفية[2].

 

[1] المادّية والمثالية في الفلسفة: 68

[2] أشرنا في ما سبق أنّ السيّد المؤلّف قدس سره بعد أن توصّل إلى« المذهب الذاتي للمعرفة» في– مقابل« المذهب العقلي» و« المذهب التجريبي» وآمن بأنّ التعميمات الاستقرائيّة لا يمكن تفسيرها إلّافي ضوء هذا المذهب، توجّه إلى الاعتقاد بأنّ الجزء الأكبر من معارفنا يمكن تفسيره على هذا الأساس. ومن جملة المعارف التي فسّرها على الأساس المذكور الإيمان بموضوعيّة القضايا المحسوسة، فقال:« والحقيقة أنّ افتراض موضوعيّة الحادثة ليس افتراضاً دون مبرّر كما تقوله المثاليّة، وليس أيضاً افتراضاً أوّليّاً ومعرفةً أوّليّة كما يقول المنطق الأرسطي، بل هو افتراض مستدلّ ومستنتج حسب مناهج الدليل الاستقرائي، كالقضايا التجريبيّة، والحدسيّة، والمتواترة تماماً» وفي ضوء ذلك أيضاً اعتبر الاعتقاد بوجود الواقع الموضوعي للعالم معبّراً عن معرفةٍ استقرائيّةٍ ناتجةٍ من تجميع القيم الاحتماليّة المتعدّدة بالواقع الموضوعي للقضايا المحسوسة، ولهذا كان التصديق بأصل وجود واقع موضوعي للعالم على الإجمال أكبر درجةً من التصديق بموضوعيّة أيّ قضيّةٍ محسوسةٍ بمفردها. وقد وضّح ذلك بالتفصيل في القسم الرابع من كتابه« الاسس المنطقيّة للاستقراء» تحت عنوان:« تفسير القضيّة المحسوسة».( لجنة التحقيق)