کتابخانه
138

بعض كتّاب الفلسفة فيه حتّى اعتبروا المثالية وصفاً لكلّ فلسفة ترتكز على الشكّ، أو تنطوي على محاولة لإبعاد جانب من الأشياء الموضوعية عن نطاق المعرفة الإنسانية، أو تؤمن بمبدأ غيبي للعالم.

فالروحانية، واللّاأدرية، والتجريبية، والعقلانية، والنقدية، والظاهراتية الوجودية، كلّها فلسفات مثالية في زعمهم‏[1].

ولأجل أن يتّضح دور المثالية في نظرية المعرفة الإنسانية نتناول بالدرس الاتجاهات المهمّة للمثالية الحديثة، وهي: الاتّجاه الفلسفي، والاتّجاه الفيزيائي، والاتّجاه الفسيولوجي.

 

أ- المثالية الفلسفية:

 

والممثّل الأساسي لها (باركلي‏[2]) الذي يُعدّ إمام المثالية الحديثة، وتعتبر فلسفته نقطة الانطلاق للاتّجاه المثالي أو النزعة التصوّرية في قرون الفلسفة الأخيرة.

وجوهر المثالية في مذهب (باركلي) يتلخّص في عبارته المشهورة: (أن يوجد هو: أن يُدرِك أو أن يدرَك)، فلا يمكن أن يُقَرّ بالوجود لشي‏ء ما لم يكن ذلك الشي‏ء مدرَكاً أو مدرِكاً، والشي‏ء المدرِك هو: النفس، والأشياء المدرَكة هي:

التصوّرات والمعاني القائمة في مجال الحسّ والإدراك. فمن الضروري أن نؤمن بوجود النفس ووجود هذه المعاني، وأمّا الأشياء المستقلّة عن حيّز الإدراك‏

 

[1] ما هي المادّية؟: 5

[2] يراجع: موسوعة الفلسفة 1: 287( باركلي)، وقصّة الفلسفة الحديثة 1: 146- 152، وتاريخ الفلسفة الحديثة: 168

137

وقد ابتدأت المثالية دورها الأوّل في المصطلح الفلسفي على يد أفلاطون حين قال بنظرية خاصّة في العقل والعلم الإنساني، واسميت تلك النظرية بنظرية:

(المثل الأفلاطونية)، فقد كان أفلاطون فيلسوفاً مثالياً، ولكنّ مثاليته لم تكن تعني إنكار الحقائق المحسوسة، وتجريد الإدراكات الحسّية عن الحقائق الموضوعية المستقلّة عن مجال التصوّر والإدراك، بل كان يعتقد بموضوعية الإحساس، غير أ نّه ذهب إلى أكثر من ذلك، فاعتقد بموضوعية الإدراكات العقلية التي هي أعلى درجة من الإدراكات الحسّية مقرّراً أنّ الإدراك العقلي- وهو إدراك الأنواع العامّة كإدراك معاني الإنسان والماء والنور- ذو حقيقة موضوعية مستقلّة عن التعقّل، كما سبق إيضاحه في الجزء الأوّل من هذه المسألة[1].

وهكذا نعرف أنّ المثالية القديمة كانت لوناً من ألوان الإسراف في الإيمان بالواقع الموضوعي؛ لأنّها آمنت بالواقع الموضوعي للإحساس (إدراك المعاني الخاصّة بالحسّ) وللتعقّل (إدراك المعاني بصورة عامّة) ولم تكن إنكاراً للواقع أو شكّاً فيه.

واتّخذت المثالية في التأريخ الحديث مفهوماً آخر يختلف كلّ الاختلاف عن المفهوم السابق، فبينما كانت المثالية الأفلاطونية تؤكّد على وجود الحقيقة الموضوعية للإدراكات العقلية والحسّية معاً جاءت المثالية في لونها الحديث لتزعزع أساس الواقع الموضوعي، وتعلن عن مذهب جديد في نظرية المعرفة الإنسانية تلغي به قيمتها الفلسفية. والمفهوم المثالي الجديد هو الذي يعنينا درسه ومعالجته في بحثنا هذا.

وقد اختلفت على هذا المفهوم ألوان متعدّدة وصياغات كثيرة، وتوسّع‏

 

[1] تحت عنوان: نظريّة الاستذكار الأفلاطونيّة، في مبحث( التصوّر ومصدره الأساسي)

136

المصدر الأساسي لتلك الإدراكات ليس ذا قيمة فلسفية قاطعة في نظرية المعرفة عند (لوك)، والنتيجة الطبيعية لذلك هي: الشكّ المطلق في قيمة كلّ معرفة إنسانية؛ لأ نّها ليست في حقيقتها ونواتها الأساسية إلّاإدراكاً حسّياً اكتسب بالتجربة الظاهرية أو الباطنية.
وهكذا يبدو أنّ تنويعه للمعرفة إلى أقسام ثلاثة، والتفريق بينها من ناحية الاعتبار الفلسفي، يتناقض مع الاسس التي أقامها.
كما أنّ تقسيمه لخواصّ الأجسام المحسوسة إلى طائفتين- كما فعل ديكارت- ليس منطقياً على اسسه، وإن كان منطقياً إلى حدّ ما على أساس (ديكارت)؛ ذلك أنّ (ديكارت) كان يقسّم المعرفة: إلى عقلية وحسّية، ويؤمن باعتبار الاولى من ناحية فلسفية دون الثانية، وقد زعم أنّ فكرة الإنسان عن بعض خواصّ الجسم من الأفكار العقلية الفطرية، وفكرته عن بعضها الآخر حسّية، فصحّ له بسبب ذلك أن ينوّع تلك الخواصّ إلى أوّلية وثانوية، ويؤمن بأنّ الخواصّ الأوّلية حقيقية وموضوعية دون الخواصّ الثانوية. وأمّا (جون لوك) فقد بدأ بناءه الفلسفي بإبعاد الأفكار الفطرية، والإيمان بسيادة الحسّ على الإدراك كلّه، فخواصّ الأجسام لا سبيل إلى إدراكها إلّاالحسّ، فما هو الفارق الفلسفي بين بعضها والبعض الآخر؟!

4- المثاليون:

والمذهب المثالي عميق الجذور في تأريخ الفكر الإنساني ومتعدّد الأساليب، ولفظ المثالية هو- أيضاً- من الألفاظ التي لعبت أدواراً مهمّة عبر التأريخ الفلسفي، وتبلور في عدّة مفاهيم فلسفية تبادلت عليه، وأكسبته بسبب ذلك لوناً من الغموض والالتباس.

135

3- جون لوك‏[1]:

وهو الممثّل الأساسي للنظرية الحسّية والتجريبية كما عرفنا سابقاً. ورأيه في نظرية المعرفة أنّ المعارف تنقسم كما يأتي:

أ- المعرفة الوجدانية، وهي: المعرفة التي لا يحتاج الفكر في سبيل الحصول عليها إلى ملاحظة شي‏ء آخر. كمعرفتنا بأنّ الواحد نصف الاثنين.

ب- المعرفة التأمّلية، وهي لا تحصل من دون استعانة بمعلومات سابقة، كمعرفتنا بأنّ مجموع زوايا المثلّث يساوي قائمتين.

ج- المعرفة الناشئة من وقوع الحسّ على المعنى المعلوم.

ويعتقد (لوك) أنّ المعرفة الوجدانية معرفة حقيقية ذات قيمة كاملة من الناحية الفلسفية، وكذلك المعرفة التأمّلية التي يمكن توضيحها باستدلال صحيح.

وأمّا المعرفة الحسّية فلا قيمة لها فلسفياً وإن كانت معتبرة في مقاييس الحياة العملية. ونظراً لذلك لم يؤمن موضوعياً بجميع خواصّ المادّة المدرَكة بالحسّ، بل اعتبر بعضها خواصّاً حقيقية موضوعية، كالشكل والامتداد، والحركة، واعتبر بعضها الآخر انفعالًا ذاتياً، كاللون، والطعم، والرائحة، وما إليها من صفات.

ونظرية (لوك) هذه في المعرفة ووزنها الفلسفي لا يتّفق مع رأيه الخاصّ في تحليل المعرفة؛ ذلك أنّ الإدراك في زعم (لوك) يرجع كلّه إلى الحسّ والتجربة، وحتّى المعارف البديهية- كمبدأ عدم التناقض ونحوه من المبادئ الأساسية في الفكر البشري- لم توجد لدى الإنسان إلّاعن هذا الطريق. وهذا الحسّ الذي هو

 

[1] يراجع قصّة الفلسفة الحديثة 1: 135- 138، وموسوعة الفلسفة، د. عبد الرحمن بدوي 2: 373( لوك)

134

وبعد ذلك نرى ديكارت يقيم صرح الوجود كلّه على نقطة واحدة، وهي:
أنّ الأفكار التي خلقها اللَّه في الإنسان تدلّ على حقائق موضوعية، فلو لم تكن مصيبة في ذلك لكان اللَّه خادعاً، والخداع مستحيل عليه.
وبسهولة يمكن أن نتبيّن الخلط بين المعرفة التأمّلية والمعرفة العملية في برهانه؛ فإنّ قضية (الخداع مستحيل) هي الترجمة غير الأمينة لقضية (الخداع قبيح)، وهذه القضية ليست قضية فلسفية، وإنّما هي فكرة عملية، فكيف شكّ (ديكارت) في كلّ شي‏ء ولم يشكّ في هذه المعرفة العملية التي جعلها أساساً للمعرفة التأمّلية الفلسفية؟!!
أضف إلى ذلك أنّ تسلسل المعرفة في مذهب ديكارت ينطوي على دور واضح؛ فإنّه حين آمن بالمسألة الإلهية أقام إيمانه هذا على قضية يفترض صدقها سلفاً، وهي: أنّ الشي‏ء لا يخرج من لا شي‏ء، وهذه القضية تحتاج بدورها إلى إثبات المسألة الإلهية؛ لتكون مضمونة الصدق، فما لم يثبت أنّ الإنسان محكوم لقوّة حكيمة غير مخادعة، لا يجوز لديكارت أن يثق بهذه القضية، ويقضي على شكّه في سيطرة قوّة خدّاعة للفكر الإنساني.
وأخيراً فلسنا بحاجة لتوضيح خلط آخر صدر منه بين (فكرة اللَّه) و (الحقيقة الموضوعية التي تدلّ عليها) حين آمن باستحالة انبثاق هذه الفكرة عن الإنسان؛ لأنّها أكبر منه. والحال أ نّها لا تزيد على فكره، وإنّما يستحيل على الإنسان أن يخلق لهذه الفكرة حقيقتها الموضوعية.
وليس هدفنا بالفعل التوسّع في مناقشة (ديكارت)، وإنّما نعني عرض وجهة نظره في قيمة المعرفة الإنسانية التي تتلخّص في الإيمان بالقيمة القاطعة للمعارف العقلية الفطرية خاصّة.

133

معرفة صحيحة وصادقة، ولم يؤمن بغير تلك الأفكار الفطرية من الأفكار التي تنشأ بأسباب خارجية، وكان من نتيجة هذا أن قسّم الأفكار عن المادّيات إلى قسمين:
أحدهما الأفكار الفطرية، كفكرة الامتداد.
والآخر أفكار طارئة تعبّر عن انفعالات خاصّة للنفس بالمؤثّرات الخارجية كفكرة: الصوت، والرائحة، والضوء، والطعم، والحرارة، واللون.
فتلك كيفيات أوّلية حقيقية، وهذه كيفيات ثانوية لا تعبّر عن حقائق موضوعية، وإنّما تتمثّل في انفعالات ذاتية، فهي صور ذهنية تتعاقب وتثور في دنيا الذهن بتأثير الأجسام الخارجية، ولا يشابهها شي‏ء من تلك الأجسام.
هذا عرض خاطف جدّاً لنظرية المعرفة عند ديكارت.
ويجب أن نعرف قبل كلّ شي‏ء أنّ القاعدة الأساسية التي أقام عليها مذهبه ويقينه الفلسفي وهي: «أنا افكّر، فأنا- إذن- موجود»، قد نُقِضت في الفلسفة الإسلامية قبل ديكارت بعدّة قرون، حين عرضها الشيخ الرئيس ابن سينا ونقدها: بأ نّها لا يمكن أن تُعتَبر اسلوباً من الاستدلال العلمي على وجود الإنسان المفكّر ذاته، فليس للإنسان أن يبرهن على وجوده عن طريق فكره؛ لأنّه حين يقول: «أنا افكّر، فأنا موجود»، إن كان يريد أن يبرهن على وجوده ب (فكره الخاصّ) فقط، فقد أثبت وجوده الخاصّ من أوّل الأمر واعترف بوجوده في نفس الجملة الاولى. وإن كان يريد أن يجعل (الفكر المطلق) دليلًا على وجوده، فهو خطأ؛ لأنّ الفكر المطلق يحكم بوجود مفكّر مطلق لا مفكّر خاصّ، وإذن فالوجود الخاصّ لكلّ مفكّر يجب أن يكون معلوماً له علماً أوّلياً بصرف النظر عن جميع الاعتبارات بما فيها شكّه وفكره.

132

الاولى- أفكار غريزية أو فطرية، وهي: الأفكار الطبيعية في الإنسان التي تبدو في غاية الوضوح والجلاء كفكرة: اللَّه، والحركة، والامتداد، والنفس.
الثانية- أفكار غامضة تحدث في الفكر بمناسبة حركات واردة على الحواسّ من الخارج، وليست لها أصالة في الفكر الإنساني.
الثالثة- أفكار مختلقة، وهي: الأفكار التي يصطنعها الإنسان ويركّبها من أفكاره الاخرى، كصورة إنسان له رأسان.
وأخذ- أوّل ما أخذ- فكرة (اللَّه) من الطائفة الاولى، فقرّر أ نّها فكرة ذات حقيقة موضوعية؛ إذ هي في حقيقتها الموضوعية تفوق الإنسان المفكِّر وكلّ ما فيه من أفكار؛ لأنّه ناقص محدود، وفكرة (اللَّه) هي فكرة الكامل المطلق الذي لا نهاية له. ولمّا كان قد آمن سلفاً بأنّ الشي‏ء لا يخرج من لا شي‏ء، فهو يعرف أنّ لهذه الصورة الفطرية في فكره سبباً، ولا يمكن أن يكون هو السبب لها؛ لأنّها أكبر منه وأكمل، والشي‏ء لا يجي‏ء أكبر من سببه، وإلّا لكانت الزيادة في المسبّب قد نشأت من لا شي‏ء. فيجب أن تكون الفكرة منبثقة عن الكائن اللانهائي الذي يوازيها كمالًا وعظمة، وذلك الكائن هو أوّل حقيقة موضوعية خارجية تعترف بها فلسفة (ديكارت) وهي: (اللَّه).
وعن طريق هذا الكائن الكامل المطلق أثبت أنّ كلّ فكر فطريّ في الطبيعة الإنسانية، فهو فكر صادق يحتوي على حقيقة موضوعية؛ لأنّ الأفكار العقلية- الطائفة الاولى- صادرة عن اللَّه، فإذا لم تكن صادقة كان تزويد اللَّه للإنسان بها خدعة وكذباً، وهو مستحيل على الكامل المطلق.
ولأجل ذلك آمن ديكارت بالمعرفة الفطرية (العقلية) للإنسان، وأ نّها

131

وتكوّن هذه الحقيقة في فلسفة (ديكارت) حجر الزاوية ونقطة الانطلاق لليقين الفلسفي، الذي حاول أن يخرج به من التصوّر إلى الوجود، ومن الذاتية إلى الموضوعية، بل حاول أن يثبت عن طريق تلك الحقيقة الذات والموضوع معاً، فبدأ بذاته واستدلّ على وجودها بتلك الحقيقة قائلًا: «أنا افكّر، فأنا- إذن- موجود».
وقد يلاحظ على ديكارت في هذا الاستدلال: أ نّه يحتوي- لاشعورياً- على الإيمان بحقائق لا زالت حتّى الآن في موضع الشكّ عنده؛ فإنّ هذا الاستدلال تعبير غير فنّي عن الشكل الأوّل من القياس في المنطق الأرسطي، ويرجع- فنّياً- إلى الصيغة الآتية: «أنا افكّر، وكلّ مفكّر موجود، فأنا موجود».
ولأجل أن يصحّ هذا الاستدلال عند ديكارت يجب أن يؤمن بالمنطق، ويعتقد بأنّ الشكل الأوّل من القياس منتج وصحيح في إنتاجه، مع أ نّه لا يزال في بداية الشوط الأوّل، ولا يزال الشكّ مهيمناً في عقله على جميع المعارف والحقائق ومنها المنطق وقوانينه.
ولكنّ الواقع الذي يجب أن ننبّه عليه هو: أنّ ديكارت لم يكن يحسّ بحاجة إلى الإيمان بالأشكال القياسية في المنطق حين بدأ المرحلة الاستدلالية من تفكيره ب «أنا افكّر، فأنا- إذن- موجود»، بل كان يرى أنّ معرفة وجوده عن طريق فكره، أمر بديهي لا يحتاج إلى تشكيل قياس والتصديق بصغراه وكبراه.
ولمّا كانت هذه القضية صادقة؛ لأنّها بديهية بشكل لا يقبل الشكّ، فكلّ ما هو على درجتها في البداهة صادق أيضاً، وبهذا عطف قضية اخرى على البديهية الاولى، وسلّم بأ نّها حقيقة، وهي: أنّ الشي‏ء لا يخرج من لا شي‏ء.
وبعد أن آمن بالناحية الذاتية أخذ في إثبات الواقع الموضوعي، فرتّب الأفكار الإنسانية في ثلاث طوائف:

130

2- ديكارت‏[1]:

وهو من أقطاب الفلاسفة العقليين ومؤسّسي النهضة الفلسفية في أوروبا. بدأ فلسفته بالشكّ، الشكّ الجارف العاصف؛ لأنّ الأفكار متضاربة، فهي- إذن- في معرض الخطأ، والإحساسات خدّاعة في كثير من الأحايين، فهي- أيضاً- ساقطة من الحساب، وبهذا وذاك تثور عاصفة الشكّ فتقتلع العالم المادّي والمعنوي معاً ما دام الطريق إليهما هو الفكر والإحساس.

ويؤكّد (ديكارت) على ضرورة هذا الشكّ المطلق، ويدلّل على منطقيّته بأنّ من الجائز أن يكون الإنسان واقعاً في رحمة قوّة تهيمن على وجوده وعقله وتحاول خداعه وتضليله، فتوحي إليه بأفكار مقلوبة عن الواقع وإدراكات خاطئة. ومهما كانت هذه الأفكار والإدراكات واضحة فلا نستطيع استبعاد هذا الفرض الذي يضطرّنا إلى اتّخاذ الشكّ مذهباً مطّرداً.

ولكن (ديكارت) يستثني حقيقة واحدة تصمد في وجه العاصفة ولا تقوى على زعزعتها تيّارات الشكّ، وهي: (فكره)؛ فإنّه حقيقة واقعة لا شكّ فيها، ولا يزيدها الشكّ إلّاثباتاً ووضوحاً؛ لأنّ الشكّ ليس إلّالوناً من ألوان الفكر، وحتّى تلك القوّة الخدّاعة لو كان لها وجود فهي لا تستطيع أن تخدعنا في إيماننا بهذا الفكر؛ لأنّها إنّما تخدعنا عن طريق الإيحاء بالتفكير الخاطئ إلينا، ومعنى ذلك: أنّ التفكير حقيقة ثابتة على كلّ حال، سواءٌ أكانت مسألة الفكر الإنساني مسألة خداع وتضليل أم مسألة فهم وتحقيق.

 

[1] يراجع للتفصيل: تاريخ الفلسفة الحديثة: 65- 85، وديكارت، تأليف نجيب بلدي: 87- 132، و: ديكارت والفلسفة العقليّة، د. راوية عبد المنعم: 131- 176