کتابخانه
37

لجشعه واندفاعاً بدافع الاثرة وراء المصلحة الشخصية.
ثانياً- على توزيع السلع المنتجة على حسب الحاجات الاستهلاكية للأفراد، ويتلخّص في النصّ الآتي: «من كلٍّ حسب قدرته، ولكلٍّ حسب حاجته»؛ وذلك أنّ كلّ فرد له حاجات طبيعية لا يمكنه الحياة بدون توفيرها، فهو يدفع للمجتمع كلّ حهده، فيدفع له المجتمع متطلّبات حياته، ويقوم بمعيشته.
ثالثاً- على منهاج اقتصادي ترسمه الدولة، وتوفِّق فيه بين حاجة المجموع والإنتاج: في كمّيته، وتنويعه، وتحديده؛ لئلّا يمنى المجتمع بنفس الأدواء والأزمات التي حصلت في المجتمع الرأسمالي حينما أطلق الحرّيات بغير تحديد.

الانحراف عن العملية الشيوعية:

ولكنّ أقطاب الشيوعية الذين نادوا بهذا النظام لم يستطيعوا أن يطبّقوه بخطوطه كلّها حين قبضوا على مقاليد الحكم، واعتقدوا أ نّه لا بدّ لتطبيقه من تطوير الإنسانية في أفكارها ودوافعها ونزعاتها، زاعمين أنّ الإنسان سوف يجي‏ء عليه اليوم الذي تموت في نفسه الدوافع الشخصية والعقلية والفردية، وتحيا فيه العقلية الجماعية والنوازع الجماعية، فلا يفكّر إلّافي المصلحة الاجتماعية، ولا يندفع إلّا في سبيلها.
ولأجل ذلك كان من الضروري- في عرف هذا المذهب الاجتماعي- إقامة نظام اشتراكي قبل ذلك؛ ليتخلّص فيه الإنسان من طبيعته الحاضرة، ويكتسب الطبيعة المستعدّة للنظام الشيوعي.
وهذا النظام الاشتراكي اجريت فيه تعديلات مهمّة على الجانب الاقتصادي من الشيوعية.

36

التحقيقين إيمانه بضرورة فناء المجتمع الرأسمالي، وإقامة المجتمع الشيوعي والمجتمع الاشتراكي الذي اعتبره خطوة للإنسانية إلى تطبيق الشيوعية تطبيقاً كاملًا.
فالميدان الاجتماعي في هذه الفلسفة ميدان صراع بين المتناقضات، وكلّ وضع اجتماعي يسود ذلك الميدان فهو ظاهرة مادّية خالصة، منسجمة مع سائر الظواهر والأحوال المادّية ومتأثّرة بها، غير أ نّه في نفس الوقت يحمل نقيضه في صميمه، وينشب- حينئذٍ- الصراع بين النقائض في محتواه، حتّى تتجمَّع المتناقضات، وتُحدِث تبدّلًا في ذلك الوضع وإنشاءً لوضع جديد، وهكذا يبقى العراك قائماً حتّى تكون الإنسانية كلّها طبقةً واحدة، وتتمثَّل مصالح كلّ فرد في مصالح تلك الطبقة الموحّدة. في تلك اللحظة يسود الوئام، ويتحقّق السلام، وتزول نهائياً جميع الآثار السيّئة للنظام الديمقراطي الرأسمالي؛ لأنّها إنّما كانت تتولَّد من تعدّد الطبقة في المجتمع، وهذا التعدّد إنّما نشأ من انقسام المجتمع إلى منتج وأجير. وإذاً فلا بدّ من وضع حدٍّ فاصل لهذا الانقسام، وذلك بإلغاء الملكيّة.
وتختلف هنا الشيوعية عن الاشتراكية في الخطوط الاقتصادية الرئيسية؛ وذلك لأنّ الاقتصاد الشيوعي يرتكز:
أوّلًا- على إلغاء المِلْكية الخاصّة ومحوها محواً تامّاً من المجتمع، وتمليك الثروة كلّها للمجموع، وتسليمها إلى الدولة باعتبارها الوكيل الشرعي عن المجتمع في إدارتها واستثمارها لخير المجموع. واعتقاد المذهب الشيوعي بضرورة هذا التأميم المطلق إنّما كان ردّ الفعل الطبيعي لمضاعفات المِلْكية الخاصّة في النظام الديمقراطي الرأسمالي. وقد بُرِّر هذا التأميم بأنّ المقصود منه إلغاء الطبقة الرأسمالية، وتوحيد الشعب في طبقة واحدة؛ ليختم بذلك الصراع، ويسدّ على الفرد الطريق إلى استغلال شتّى الوسائل والأساليب لتضخيم ثروته، إشباعا

35

الاشتراكية والشيوعية

في الاشتراكية مذاهب متعدّدة، وأشهرها المذهب الاشتراكي القائم على النظرية الماركسية والمادّية الجدلية التي هي عبارة عن فلسفة خاصّة للحياة، وفهم مادّي لها على طريقة ديالكتيكية. وقد طبّق المادّيون الديالكتيكيون هذه المادّية الديالكتيكية على التأريخ والاجتماع والاقتصاد، فصارت عقيدةً فلسفية في شأن العالم، وطريقة لدرس التأريخ والاجتماع، ومذهباً في الاقتصاد، وخطّة في السياسة.

وبعبارة اخرى: أ نّها تصوغ الإنسان كلّه في قالب خاصّ، من حيث لون تفكيره ووجهة نظره إلى الحياة وطريقته العملية فيها. ولا ريب في أنّ الفلسفة المادّية وكذلك الطريقة الديالكتيكية ليستا من بدع المذهب الماركسي وابتكاراته، فقد كانت النزعة المادّية تعيش منذ آلاف السنين في الميدان الفلسفي سافرةً تارة، ومتواريةً اخرى وراء السفسطة والإنكار المطلق، كما أنّ الطريقة الديالكتيكيّة في التفكير عميقة الجذور ببعض خطوطها في التفكير الإنساني، وقد استكملت كلّ خطوطها على يد (هيجل) الفيلسوف المثالي المعروف. وإنّما جاء (كارل ماركس) إلى هذا المنطق وتلك الفلسفة فتبنّاهما، وحاول تطبيقهما على جميع ميادين الحياة، فقام بتحقيقين:

أحدهما: أن فسَّر التأريخ تفسيراً مادّياً خالصاً بطريقة ديالكتيكيّة.

والآخر: زعم فيه أ نّه اكتشف تناقضات رأس المال والقيمة الفائضة التي يسرقها صاحب المال في عقيدته من العامل‏[1]. وأشاد على أساس هذين‏

 

[1] شرحنا هذه النظريّات مع دراسة علمية مفصّلة في كتاب( اقتصادنا).( المؤلّف قدس سره)

34

التي يقوم على أساسها النظام الرأسمالي والاقتصاد الحرّ.
وينطلق من هنا عملاق المادّة، يغزو ويحارب، ويقيِّد ويكبّل، ويستعمر ويستثمر؛ إرضاءً للشهوات وإشباعاً للرغبات.
فانظر ماذا قاست الإنسانية من ويلات هذا النظام، باعتباره مادّياً في روحه وصياغته، وأساليبه وأهدافه، وإن لم يكن مركّزاً على فلسفة محدَّدة تتّفق مع تلك الروح والصياغة، وتنسجم مع هذه الأساليب والأهداف كما ألمعنا إليه؟!!
وقدِّرْ بنفسك نصيب المجتمع الذي يقوم على ركائز هذا النظام ومفاهيمه من السعادة والاستقرار، هذا المجتمع الذي ينعدم فيه الإيثار والثقة المتبادلة، والتراحم والتعاطف الحقيقي، وجميع الاتّجاهات الروحية الخيِّرة، فيعيش الفرد فيه وهو يشعر بأ نّه المسؤول عن نفسه وحده، وأ نّه في خطر من قبل كلّ مصلحة من مصالح الآخرين التي قد تصطدم به. فكأ نّه يحيا في صراع دائم ومغالبة مستمرّة، لا سلاح له فيها إلّاقواه الخاصّة، ولا هدف له منها إلّامصالحه الخاصّة.

33

من الثقافة الديمقراطية الرأسمالية.
ونصل هنا إلى أفظع حلقات المأساة التي يمثّلها هذا النظام؛ فإنّ هؤلاء السادة الذين وضع النظامُ الديمقراطي الرأسمالي في أيديهم كلَّ نفوذ، وزوَّدهم بكلّ قوّة وطاقة، سوف يمدّون أنظارهم- بوحي من عقلية هذا النظام- إلى الآفاق، ويشعرون بوحي من مصالحهم وأغراضهم أ نّهم في حاجة إلى مناطق نفوذ جديدة؛ وذلك لسبيين:
الأوّل: أنّ وفرة الإنتاج تتوقّف على مدى توفّر المواد الأوّلية وكثرتها، فكلّ من يكون حظّه من تلك المواد أعظم تكون طاقاته الإنتاجية أقوى وأكثر.
وهذه المواد منتشرة في بلاد اللَّه العريضة. وإذا كان من الواجب الحصول عليها، فاللازم السيطرة على البلاد التي تملك المواد، لامتصاصها واستغلالها.
الثاني: أنّ شِدَّة حركة الإنتاج وقوّتها بدافع من الحرص على كثرة الربح من ناحية، ومن ناحية اخرى انخفاض المستوى المعيشي لكثير من المواطنين بدافع من الشره المادّي للفئة الرأسمالية، ومغالبتها للعامّة على حقوقها بأساليبها النفعية، التي تجعل المواطنين عاجزين عن شراء المنتجات واستهلاكها، كلّ ذلك يجعل كبار المنتجين في حاجة ماسّة إلى أسواق جديدة لبيع المنتجات الفائضة فيها، وإيجاد تلك الأسواق يعني التفكير في بلاد جديدة.
وهكذا تُدرَس المسألة بذهنية مادّية خالصة. ومن الطبيعي لمثل هذه الذهنية التي لم يرتكز نظامها على القيم الروحية والخُلُقية، ولم يعترف مذهبها الاجتماعي بغاية إلّاإسعاد هذه الحياة المحدودة بمختلف المتع والشهوات، أن ترى في هذين السببين مبرّراً ومسوّغاً منطقيّاً للاعتداء على البلاد الآمنة، وانتهاك كرامتها، والسيطرة على مقدّراتها ومواردها الطبيعية الكبرى، واستغلال ثرواتها لترويج البضائع الفائضة. فكلّ ذلك أمر معقول وجائز في عرف المصالح الفردية

32

والمعونة إلى هؤلاء، لتنتشلهم من الهوَّة، وتشركهم في مغانمها الضخمة. ولماذا تفعل ذلك؟! ما دام المقياس الخُلُقي هو المنفعة واللذّة، وما دامت الدولة تضمن لها مطلق الحرّية فيما تعمل، وما دام النظام الديمقراطي الرأسمالي يضيق بالفلسفة المعنوية للحياة ومفاهيمها الخاصّة.
فالمسألة- إذاً- يجب أن تُدرَس بالطريقة التي يوحي بها هذا النظام، وهي:
أن يستغلَّ هؤلاء الكبراء حاجة الأكثرية إليهم، ومقوِّماتهم المعيشية، فيفرض على القادرين العملُ في ميادينهم ومصانعهم في مدّة لا يمكن الزيادة عليها، وبأثمان لا تفي إلّابالحياة الضرورية لهم. هذا هو منطق المنفعة الخالص الذي كان من الطبيعي أن يسلكوه، وتنقسم الامّة بسبب ذلك إلى فئة في قمّة الثراء، وأكثرية في المهوى السحيق.
وهنا يتبلور الحقّ السياسي للُامّة من جديد بشكل آخر. فالمساواة في الحقوق السياسية بين أفراد المواطنين وإن لم تمح من سجلّ النظام، غير أ نّها لم تعد بعد هذه الزعازع إلّاخيالًا وتفكيراً خالصاً؛ فإنّ الحرّية الاقتصادية حين تسجِّل ما عرضناه من نتائج، تنتهي إلى الانقسام الفظيع الذي مرّ في العرض، وتكون هي المسيطرة على الموقف والماسكة بالزمام، وتُقهَر الحرّية السياسية أمامها؛ فإنّ الفئة الرأسمالية بحكم مركزها الاقتصادي من المجتمع، وقدرتها على استعمال جميع وسائل الدعاية، وتمكُّنِها من شراء الأنصار والأعوان، تهيمن على مقاليد الحكم في الامّة، وتتسلّم السلطة لتسخيرها في مصالحها والسهر على مآربها، ويصبح التشريع والنظام الاجتماعي خاضعاً لسيطرة رأس المال، بعد أن كان المفروض في المفاهيم الديمقراطية أ نّه من حقّ الامّة جمعاء. وهكذا تعود الديمقراطية الرأسمالية في نهاية المطاف حُكماً تستأثر به الأقلية، وسلطاناً يحمي به عِدّةٌ من الأفراد كيانهم على حساب الآخرين، بالعقلية النفعية التي يستوحونها

31

في السابق، وأنّ مظاهر الاستغلال والاستهتار بحقوق الآخرين ومصالحهم ستُحفَظ في الجوّ الاجتماعي لهذا النظام كحالها في الأجواء الاجتماعية القديمة.
وغاية ما في الموضوع من فرق: أنّ الاستهتار بالكرامة الإنسانية كان من قِبَل أفراد بامّة، وأصبح في هذا النظام من الفئات التي تمثِّل الأكثريّات بالنسبة إلى الأقلِّيات التي تشكّل بمجموعها عدداً هائلًا من البشر.
وليت الأمر وقف عند هذا الحدّ، إذاً لكانت المأساة هيّنة، ولكان المسرح يحتفل بالضحكات أكثر ممّا يعرض من دموع، بل إنّ الأمر تفاقم واشتدّ حين برزت المسألة الاقتصادية من هذا النظام بعد ذلك، فقرّرت الحرّية الاقتصادية على هذا النحو الذي عرضناه سابقاً، وأجازت مختلف أساليب الثراء وألوانه مهما كان فاحشاً، ومهما كان شاذّ اًفي طريقته وأسبابه، وضمنت تحقيق ما أعلنت عنه، في الوقت الذي كان العالم يحتفل بانقلاب صناعي كبير، والعلم يتمخَّض عن ولادة الآلة التي قلّبت وجه الصناعة، وكسحت الصناعات اليدوية ونحوها، فانكشف الميدان عن ثراء فاحش من جانب الأقلية من أفراد الامّة، ممّن أتاحت لهم الفرص وسائل الإنتاج الحديث، وزوَّدتهم الحرّيات الرأسمالية غير المحدودة بضمانات كافية لاستثمارها واستغلالها إلى أبعد حدٍّ، والقضاء بها على كثير من فئات الامّة التي اكتسحت الآلة البخارية صناعتها، وزعزعت حياتها، ولم تجد سبيلًا للصمود في وجه التيّار، ما دام أرباب الصناعات الحديثة مسلّحين بالحرّية الاقتصادية، وبحقوق الحرّيات المقدَّسة كلّها.
وهكذا خلا الميدان إلّامن تلك الصفوة من أرباب الصناعة والإنتاج، وتضاءلت الفئة الوسطى، واقتربت إلى المستوى العامّ المنخفض، وصارت هذه الأكثرية المحطَّمة تحت رحمة تلك الصفوة التي لا تفكّر ولا تحسب إلّاعلى الطريقة الديمقراطية الرأسمالية. ومن الطبيعي- حينئذٍ- أن لا تمدُّ يد العطف‏

30

الأفراد نحو الأعمال التي تدعو إليها القيم الخُلُقية؟! مع أنّ كثيراً من تلك الأعمال لا تعود على الفرد بشي‏ء من النفع، وإذا اتّفق أن كان فيها شي‏ء من النفع باعتباره فرداً من المجتمع، فكثيراً ما يُزاحَم هذا النفع الضئيل- الذي لا يُدْرِكه الإنسان إلّا في نظرة تحليلية- بفوات منافع عاجلة أو مصالح فردية تجد في الحرّيات ضماناً لتحقيقها، فيطيح الفرد في سبيلها بكلّ برنامج الخُلُق والضمير الروحي.

مآسي النظام الرأسمالي:

وإذا أردنا أن نستعرض الحلقات المتسلسلة من المآسي الاجتماعية التي انبثقت عن هذا النظام المرتجل- لا على أساس فلسفيٍّ مدروس- فسوف يضيق بذلك المجال المحدود لهذا البحث؛ ولذا نلمّح إليها:
فأوّل تلك الحلقات: تحكُّم الأكثرية في الأقلية ومصالحها ومسائلها الحيوية؛ فإنّ الحرّية السياسية كانت تعني: أنّ وضع النظام والقوانين وتمشيتها من حقّ الأكثرية. ولنتصوّر أنّ الفئة التي تمثِّل الأكثرية في الامّة ملكت زمام الحكم والتشريع، وهي تحمل العقلية الديمقراطية الرأسمالية، وهي عقلية مادّية خالصة في اتّجاهها، ونزعاتها، وأهدافها، وأهوائها، فماذا يكون مصير الفئة الاخرى؟! أو ماذا ترتقب للأقلية من حياة في ظلّ قوانين تُشرَّع لحساب الأكثرية ولحفظ مصالحها؟! وهل يكون من الغريب- حينئذٍ- إذا شَرَّعت الأكثرية القوانين على ضوء مصالحها خاصّة، وأهملت مصالح الأقلية، واتّجهت إلى تحقيق رغباتها اتّجاهاً مجحفاً بحقوق الآخرين؟! فمن الذي يحفظ لهذه الأقلية كيانها الحيوي، ويذبُّ عن وجهها الظلمَ، ما دامت المصلحة الشخصية هي مسألة كلّ فرد، وما دامت الأكثرية لا تعرف للقيم الروحية والمعنوية مفهوماً في عقليّتها الاجتماعية؟! وبطبيعة الحال، أنّ التحكّم سوف يبقى في ظلّ النظام كما كان‏

29

موضع الأخلاق من الرأسمالية:

وكان من جرّاء هذه المادّية التي زخر النظام بروحها أن اقصيت الأخلاق من الحساب، ولم يُلحَظ لها وجودٌ في ذلك النظام، أو بالأحرى تبدّلت مفاهيمها ومقاييسها، واعلنت المصلحة الشخصية كهدف أعلى، والحرّيات جميعاً كوسيلة لتحقيق تلك المصلحة. فنشأ عن ذلك أكثر ما ضجَّ به العالم الحديث من محن وكوارث، ومآسي ومصائب.
وقد يدافع أنصار الديمقراطية الرأسمالية عن وجهة نظرها في الفرد ومصالحه الشخصية، قائلين: إنّ الهدف الشخصي بنفسه يحقّق المصلحة الاجتماعية، وإنّ النتائج التي تحقّقها الأخلاق بقيمها الروحية تُحقَّق في المجتمع الديمقراطي الرأسمالي، لكن لا عن طريق الأخلاق، بل عن طريق الدوافع الخاصّة وخدمتها؛ فإنّ الإنسان حين يقوم بخدمة اجتماعية يحقّق بذلك مصلحةً شخصية أيضاً؛ باعتباره جزءاً للمجتمع الذي سعى في سبيله، وحين ينقذ حياة شخص تعرَّضت للخطر فقد أفاد نفسه أيضاً؛ لأنّ حياة الشخص سوف تقوم بخدمة للهيئة الاجتماعية، فيعود عليه نصيب منها، وإذن، فالدافع الشخصي والحسّ النفعي يكفيان لتأمين المصالح الاجتماعية وضمانها، ما دامت ترجع بالتحليل إلى مصالح خاصّة ومنافع فردية.
وهذا الدفاع أقرب إلى الخيال الواسع منه إلى الاستدلال. فتصوَّر بنفسك أنّ المقياس العملي في الحياة لكلّ فرد في الامّة إذا كان هو تحقيق منافعه ومصالحه الخاصّة، على أوسع نطاق وأبعد مدى، وكانت الدولة تُوفِّر للفرد حرّياته وتقدِّسه بغير تحفّظ ولا تحديد، فما هو وضع العمل الاجتماعي من قاموس هؤلاء الأفراد؟! وكيف يمكن أن يكون اتّصال المصلحة الاجتماعية بالفرد كافياً لتوجيه‏