کتابخانه
19

المسألة الاجتماعية

مشكلة العالم التي تملأ فكر الإنسانية اليوم وتمسُّ واقعها بالصميم هي:
مشكلة النظام الاجتماعي التي تتلخّص في محاولة إعطاء أصدق إجابة عن السؤال الآتي:
ما هو النظام الذي يصلح للإنسانية، وتسعد به في حياتها الاجتماعية؟
ومن الطبيعي أن تحتلّ هذه المشكلة مقامها الخطير، وأن تكون في تعقيدها وتنوّع ألوان الاجتهاد في حلّها مصدراً للخطر على الإنسانية ذاتها؛ لأنّ النظام داخل في حساب الحياة الإنسانية، ومؤثِّر في كيانها الاجتماعي في الصميم.
وهذه المشكلة عميقة الجذور في الأغوار البعيدة من تأريخ البشرية، وقد واجهها الإنسان منذ نشأت في واقعه الحياة الاجتماعية، وانبثقت الإنسانية الجماعية تتمثّل في عِدّة أفراد تجمعهم علاقات وروابط مشتركة. فإنّ هذه العلاقات التي تكوّنت تحقيقاً لمتطلّبات الفطرة والطبيعة، في حاجة- بطبيعة الحال- إلى توجيه وتنظيم، وعلى مدى انسجام هذا التنظيم مع الواقع الإنساني ومصالحه يتوقّف استقرار المجتمع وسعادته.
وقد دفعت هذه المشكلة بالإنسانية في ميادينها الفكرية والسياسية إلى خوض جهاد طويل، وكفاح حافل بمختلف ألوان الصراع، وبشتّى مذاهب العقل‏

18

17

تمهيد

المسألة الاجتماعيّة.
الديمقراطيّة الرأسماليّة.
الاشتراكيّة والشيوعيّة.
الإسلام والمشكلة الاجتماعيّة.

16

15

ضوء القوانين الفلسفية، وفي ضوء مختلف العلوم الطبيعية والإنسانية.
وأمّا الحلقة الأخيرة فندرس فيها مشكلة من أهمّ المشاكل الفلسفية، وهي:
«الإدراك»، الذي يمثّل ميداناً مُهِمّاً من ميادين الصراع بين المادّية و الميتا فيزيقية. وقد عولج البحثُ [فيها] على أساسٍ فلسفيٍّ، وفي ضوء مختلف العلوم ذات الصلة بالموضوع: من طبيعية، وفسيولوجية، وسيكولوجية.
هذا هو الكتاب في مخطّط إجمالي عامّ، تجده الآن بين يديك نتيجة جهود متظافرة طيلة عشرة أشهر، أدّت إلى إخراجه كما ترى. وكلُّ أملي أن يكون قد أدّى‏ شيئاً من الرسالة المقدّسة بأمان وإخلاص.
وأرجو من القارئ العزيز أن يدرس بحوث الكتاب دراسة موضوعية بكلّ إمعان وتدبُّر، تاركاً الحكم له أو عليه إلى ما يملك من المقاييس الفلسفية والعلمية الدقيقة، لا إلى الرغبة والعاطفة. ولا احبّ له أن يطالع الكتاب كما يطالع كتاباً روائيّاً، أو لوناً من ألوان الترف العقلي والأدبي، فليس الكتاب رواية ولا أدباً أو ترفاً عقليّاً، وإنّما هو في الصميم من مشاكل الإنسانية المفكِّرة.
وما توفيقي إلّاباللَّه عليه توكّلت وإليه انيب.

محمّد باقر الصدر
النجف الأشرف‏
29 ربيع الثاني 1379 ه

14

وهدفنا الأساسي من هذا البحث هو: تحديد منهج الكتاب في المسألة الثانية؛ لأنّ وضع مفهوم عامّ للعالم يتوقّف- قبل كلّ شي‏ء- على تحديد الطريقة الرئيسية في التفكير، والمقياس العامّ للمعرفة الصحيحة، ومدى قيمتها؛ ولهذا كانت المسألة الاولى في الحقيقة بحثاً تمهيديّاً للمسألة الثانية. والمسألة الثانية هي المسألة الأساسية في الكتاب التي نلفت القارئ إلى الاهتمام بها بصورة خاصّة.
والبحث في المسألة الثانية يتسلسل في حلقات خمس:
ففي الحلقة الاولى نعرض المفاهيم الفلسفية المتصارعة في الميدان، وحدودها. ونقدّم بعض الإيضاحات عنها.
وفي الحلقة الثانية نتناول الديالكتيك بصفته أشهر منطق ترتكز عليه المادّية الحديثة اليوم، فندرسه دراسة موضوعية مفصّلة بكلِّ خطوطه العريضة التي رسمها هيجل وكارل ماركس الفيلسوفان الديالكتيكيان.
وفي الحلقة الثالثة ندرس مبدأ العلّية وقوانينها التي تسيطر على العالم، وما تقدّمه لنا من تفسير فلسفي شامل له، ونعالج عدّة شكوك فلسفية نشأت في ضوء التطوّرات العلمية الحديثة.
وننتقل بعد ذلك إلى الحلقة الرابعة: المادّة أو اللَّه، وهو البحث في المرحلة النهائية من مراحل الصراع بين المادّية والإلهية، لنصوغ مفهومنا الإلهي للعالم في‏

13

بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏

كلمة المؤلّف‏

فلسفتنا هو: مجموعة مفاهيمنا الأساسية عن العالم، وطريقة التفكير فيه؛ ولهذا كان الكتاب- باستثناء التمهيد- ينقسم إلى بحثين: أحدهما نظرية المعرفة، والآخر المفهوم الفلسفي للعالم.

ومسؤولية البحث الأوّل في الكتاب تتلخّص فيما يلي:

أوّلًا- الاستدلال على المنطق العقلي القائل بصحّة الطريقة العقلية في التفكير، وإنّ العقل بما يملك من معارف ضرورية فوق التجربة، هو المقياس الأوّل في التفكير البشري، ولا يمكن أن توجد فكرة فلسفية أو علمية دون إخضاعها لهذا المقياس العامّ، وحتّى التجربة التي يزعم التجريبيّون أ نّها المقياس الأوّل، ليست في الحقيقة إلّاأداة لتطبيق المقياس العقلي، ولا غنى للنظرية التجريبية عن الرصيد العقلي.

وثانياً- درس قيمة المعرفة البشرية، والتدليل على أنّ المعرفة إنّما يمكن التسليم لها بقيمة على أساس المنطق العقلي، لا المنطق الديالكتيكي الذي يعجز عن إيجاد قيمة صحيحة للمعرفة[1].

 

[1] ولا يخفى أنّ المؤلّف قدس سره تكاملت أفكاره في بحث« نظريّة المعرفة» بعد تأليفه لهذا– الكتاب، وانتهى إلى تأسيس اتّجاه جديد في نظريّة المعرفة يختلف عن كلّ من الاتّجاهين التقليديّين اللذين يتمثّلان في« المذهب العقلي» و« المذهب التجريبي»، وقد عرض هذا الاتّجاه الجديد في كتابه القيّم« الاسس المنطقيّة للاستقراء»، وسمّى ذلك ب« المذهب الذاتي للمعرفة» تمييزاً له عن المذهبين الآخرين، وحاول فيه إعادةَ بناء نظريّة المعرفة على أساس جديد، ودراسةَ نقاطها الأساسيّة في ضوءٍ يختلف اختلافاً جذريّاً عمّا قدّمه في القسم الأوّل من هذا الكتاب.( لجنة التحقيق)

12

فلاسفة المسلمين والتي تعتمد في الغالب على منطق «أرسطو» والمذهب العقلي في نظريّة المعرفة، ولكنّه استطاع بعد ذلك أن يتوصّل إلى نظريّات فلسفيّة جديدة سواء في بحث نظريّة المعرفة أو في بحث فلسفة الوجود ممّا أثبت جلّها في كتابه «الاسس المنطقيّة للاستقراء»، ووضع بذلك الجذور الأوّليّة لفلسفة جديدة تختلف تماماً عن الفلسفة السائدة. ولهذا رأينا من المناسب جدّاً أن يشار في كتاب «فلسفتنا» إلى جميع النقاط التي تغيّر فيها رأي المؤلّف رحمه الله في كتابه الآخر بعد ردحٍ غير قصير من الزمان. وهذا ما صنعته لجنة التحقيق بقدر ما حالفها التوفيق والسداد من اللَّه تبارك وتعالى. هذا.
ولا يفوتنا أن نشيد بالموقف النبيل لورثة السيّد الشهيد كافّة سيّما نجله البارّ (سماحة الحجّة السيّد جعفر الصدر حفظه اللَّه) في دعم المؤتمر وإعطائهم الإذن الخاصّ في نشر وإحياء التراث العلمي للشهيد الصدر قدس سره.
وأخيراً نرى لزاماً علينا أن نتقدّم بالشكر الجزيل إلى اللجنة المشرفة على تحقيق تراث الإمام الشهيد، والعلماء والباحثين كافّة الذين ساهموا في إعداد هذا التراث وعرضه بالاسلوب العلمي اللائق، سائلين المولى عزّ وجلّ أن يتقبّل جهدهم وأن يمنّ عليهم وعلينا جميعاً بالأجر والثواب، إنّه سميع مجيب.

المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر قدس سره‏
أمانة الهيئة العلميّة

11

«اللَّه» في هذا المعترك، وتنادي بها، وتدعو العالم إليها، كما فعلت في فجر تاريخها العظيم، فكان هذا الكتاب تعبيراً واضحاً قويّاً عن تلك الكلمة، عولجت فيه مشكلة المعرفة والكون ضمن دراسةٍ موضوعيّة عن الصراع الفكري القائم بين مختلف التيّارات الفلسفيّة، وخاصّة الفلسفة الإسلاميّة والمادّيّة الديالكتيكيّة الماركسيّة، وقد أخذ مأخذه العظيم من الشهرة والنفوذ في الأوساط العلميّة والثقافيّة، ونال قصب السبق في هذا المجال.
وقد مُني هذا الكتاب بمحنة التحريف السافر بأمر النظام البعثي البائد في الطبعة التي قام بها هذا النظام في حياة المؤلّف قدس سره ورغم أنفه، فكانت هذه ظلامةً من عشرات الظلامات التي وقعت على هذا الرجل العظيم. كما أنّ دور النشر التي تصدّت لطبع هذا الكتاب في خارج العراق لم تكن على مستوى الأمانة والدقّة الكافيتين، ممّا سبّب وقوع أخطاء كثيرة جدّاً فيه.
وعلى هذا الأساس ولأجل الأهميّة الفريدة لهذا الكتاب تصدّت لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر رحمه الله لتحقيق هذا الكتاب بجدّية خاصّة، وبذلت جهدها على مستوىً رفيع جدّاً لتجريده عن الأخطاء والتحريفات، كما أ نّها قامت باستخراج المصادر التي استند إليها المؤلّف العظيم قدس سره مبلغ الإمكان، وأضافت إليها إرجاعاتٍ عديدةً في موضوعات مختلفة إلى المصادر الفلسفيّة الحديثة والقديمة، لكي يتسنّى للقارئ العزيز التوسّع والتعمّق في تلك المجالات.
ومن أهمّ ما قامت به اللجنة المذكورة في تحقيق هذا الكتاب المقارنة الدقيقة بين النظريّات الفلسفيّة التي تبنّاها المؤلّف قدس سره في هذا الكتاب، وبين ما انتهى إليه نظره بعد اثنتي عشرة سنة في كتابه القيّم «الاسس المنطقيّة للاستقراء» حيث إنّه قدس سره كان قد أ لّف كتاب «فلسفتنا» في ضوء الأفكار الفلسفيّة السائدة عند