کتابخانه
28

بواقعه، وأنزه قصداً، وأشدّ اعتدالًا منه.
وأيضاً، فإنّ هذه الحياة المحدودة إن كانت بداية الشوط لحياة خالدة تنبثق عنها، وتتلوّن بطابعها، وتتوقّف موازينها على مدى اعتدال الحياة الاولى ونزاهتها، فمن الطبيعي أن تنظّم الحياة الحاضرة بما هي بداية الشوط لحياة لا فناء فيها، وتقام على اسس القِيَم المعنوية والمادّية معاً.
وإذن فمسألة الإيمان باللَّه وانبثاق الحياة عنه ليست مسألةً فكرية خالصة لا علاقة لها بالحياة، لتفصل عن مجالات الحياة ويشرّع لها طرائقها ودساتيرها مع إغفال تلك المسألة وفصلها، بل هي مسألة تتّصل بالعقل والقلب والحياة جميعاً.
والدليل على مدى اتّصالها بالحياة من الديمقراطية الرأسمالية نفسها: أنّ الفكرة فيها تُقدَّم على أساس الإيمان بعدم وجود شخصية أو مجموعة من الأفراد بلغت من العصمة في قصدها وميلها وفي رأيها واجتهادها إلى الدرجة التي تبيح إيكال المسألة الاجتماعية إليها، والتعويل في إقامة حياة صالحة للُامّة عليها.
وهذا الأساس بنفسه لا موضعَ ولا معنى له إلّاإذا اقيم على فلسفة مادّية خالصة، لا تعترف بإمكان انبثاق النظام إلّاعن عقل بشري محدود.
فالنظام الرأسمالي مادّي بكلّ ما للّفظ من معنى، فهو إمّا أن يكون قد استبطن المادّية، ولم يجرؤ على الإعلان عن ربطه بها وارتكازه عليها. وإمّا أن يكون جاهلًا بمدى الربط الطبيعي بين المسألة الواقعية للحياة ومسألتها الاجتماعية. وعلى هذا فهو يفقد الفلسفة التي لا بدّ لكلّ نظام اجتماعي أن يرتكز عليها. وهو- بكلمة- نظام مادّي، وإن لم يكن مقاماً على فلسفة مادّية واضحة الخطوط.

27

التمرّد والسخط على الدين المزعوم الذي كان يجمِّد الأفكار والعقول، ويتملّق للظلم والجبروت، وينتصر للفساد الاجتماعي في كلّ معركة يخوضها مع الضعفاء والمضطهدين‏[1].

فهذه العوامل الثلاثة ساعدت على بعث المادّية في كثير من العقليّات الغربية.

كلّ هذا صحيح، ولكنّ النظام الرأسمالي لم يركّز على فهم فلسفي مادّي للحياة، وهذا هو التناقض والعجز، فإنّ المسألة الاجتماعية للحياة تتّصل بواقع الحياة، ولا تتبلور في شكل صحيح إلّاإذا اقيمت على قاعدة مركزية، تشرح الحياة وواقعها وحدودها، والنظام الرأسمالي يفقد هذه القاعدة، فهو ينطوي على خداع وتضليل، أو على عجلة وقلّة أناة، حين تجمّد المسألة الواقعية للحياة، وتُدرَس المسألة الاجتماعية منفصلة عنها، مع أنّ قوام الميزان الفكري للنظام بتحديد نظرته منذ البداية إلى واقع الحياة، التي تموِّن المجتمع بالمادّة الاجتماعية- وهي: العلاقات المتبادلة بين الناس- وطريقة فهمه لها، واكتشاف أسرارها وقيمها. فالإنسان في هذا الكوكب إن كان من صنع قوّة مُدبِّرة ميهمنة، عالمة بأسراره وخفاياه، بظواهره ودقائقه، قائمة على تنظيمه وتوجيهه، فمن الطبيعي أن يخضع في توجيهه وتكييف حياته لتلك القوّة الخالقة؛ لأنّها أبصر بأمره، وأعلم‏

 

[1] فإنّ الكنيسة لعبت دوراً هامّاً في استغلال الدين استغلالًا شنيعاً، وجعل اسمه أداة مآربها وأغراضها، وخنق الأنفاس العلمية والاجتماعية، وأقامت محاكم التفتيش، وأعطت لها الصلاحيّات الواسعة للتصرّف في المقدَّرات، حتّى تولّد عن ذلك كلّه التبرّم بالدين والسخط عليه؛ لأنّ الجريمة ارتكبت باسمه، مع أ نّه في واقعه المصفّى وجوهره الصحيح لا يقلّ عن اولئك الساخطين والمتبرّمين ضيقاً بتلك الجريمة، واستفظاعاً لدوافعها ونتائجها.( المؤلّف قدس سره)

26

وافتُرِض على هذا الشكل. ولكن هذا النظام في نفس الوقت الذي كان مشبعاً بالروح المادّية الطاغية لم يبنَ على فلسفة مادّية للحياة، وعلى دراسة مفصّلة لها.

فالحياة في الجوّ الاجتماعي لهذا النظام، فُصِلت عن كلّ علاقة خارجة عن حدود المادّة والمنفعة، ولكن لم يُهيَّأ لإقامة هذا النظام فهمٌ فلسفيٌّ كامل لعملية الفصل هذه. ولا أعني بذلك: أنّ العالم لم يكن فيه مدارس للفلسفة المادّية وأنصار لها، بل كان فيه إقبال على النزعة المادّية تأثُّراً بالعقلية التجريبية التي شاعت منذ بداية الانقلاب الصناعي‏[1]، وبروح الشكّ والتبلبل الفكري الذي أحدثه انقلاب الرأي في طائفة من الأفكار كانت تُعَدُّ من أوضح الحقائق وأكثرها صحّة[2]، وبروح‏

 

[1] فإنّ التجربة اكتسبت أهمية كُبرى‏ في الميدان العلمي، ووفِّقت توفيقاً- لم يكن في الحسبان- إلى الكشف عن حقائق كثيرة، وإزاحة الستار عن أسرار مدهشة، أتاحت للإنسانية أن تستثمر تلك الأسرار والحقائق في حياتها العملية. وهذا التوفيق الذي حصلت عليه التجربة، أشاد لها قدسيّةً في العقليّة العامّة، وجعل الناس ينصرفون عن الأفكار العقليّة، وعن كلّ الحقائق التي لا تظهر في ميدان الحسّ والتجربة، حتّى صار الحسُّ التجريبي في عقيدة كثير من التجْرِيبيين الأساس الوحيد لجميع المعارف والعلوم. وسوف نوضِّح في هذا الكتاب: أنّ التجربة بنفسها تعتمد على الفكر العقلي، وأنّ الأساس الأوّل للعلوم والمعارف هو العقل الذي يدرك حقائق لا يقع عليها الحسّ، كما يدرك الحقائق المحسوسة.( المؤلّف قدس سره)

[2] فإنّ جملة من العقائد العامّة كانت في درجة عالية من الوضوح والبداهة في النظر العامّ، مع أ نّها لم تكن قائمةً على أساس من منطق عقلي، أو دليل فلسفي، كالإيمان بأنّ الأرض مركز العالم. فلمّا انهارت هذه العقائد في ظلّ التجارب الصحيحة، تزعزع الإيمان العامّ، وسيطرت موجة من الشكّ على كثير من الأذهان، فبُعِثت السفسطة اليونانية من جديد متأثّرة بروح الشكّ، كما تأثّرت في العهد اليوناني بروح الشكّ الذي تولَّد من تناقض المذاهب الفلسفية وشدّة الجدل بها.( المؤلّف قدس سره)

25

فلا جناح عليه أن يكيّف حياته باللون الذي يحلو له، ويتّبع مختلف العادات والتقاليد والشعائر والطقوس التي يستذوقها؛ لأنّ ذلك مسألة خاصّة تتّصل بكيانه وحاضره ومستقبله. وما دام يملك هذا الكيان، فهو قادر على التصرّف فيه كما يشاء.
وليست الحرّية الدينية- في رأي الرأسمالية التي تنادي بها- إلّاتعبيراً عن الحرّية الفكرية في جانبها العقائدي، وعن الحرّية الشخصية في الجانب العملي الذي يتّصل بالشعائر والسلوك.
ويُستخلَص من هذا العرض: أنّ الخطّ الفكري العريض لهذا النظام- كما ألمحنا إليه- هو: أنّ مصالح المجتمع بمصالح الأفراد. فالفرد هو القاعدة التي يجب أن يرتكز عليها النظام الاجتماعي، والدولة الصالحة هي الجهاز الذي يُسخَّر لخدمة الفرد وحسابه، والأداة القوية لحفظ مصالحه وحمايتها.
هذه هي الديمقراطية الرأسمالية في ركائزها الأساسية التي قامت من أجلها جملة من الثورات، وجاهد في سبيلها كثير من الشعوب والامم، في ظلّ قادة كانوا حين يعبّرون عن هذا النظام الجديد ويعِدونهم بمحاسنه، يصفون الجنّة في نعيمها وسعادتها، وما تحفل به من انطلاق وهناء وكرامة وثراء. وقد اجريت عليها بعد ذلك عدّة من التعديلات، غير أ نّها لم تمسّ جوهرها بالصميم، بل بقيت محتفظةً بأهمّ ركائزها واسسها.

الاتجاه المادّي في الرأسمالية:

ومن الواضح أنّ هذا النظام الاجتماعي نظامٌ مادّيٌّ خالص، اخذ فيه الإنسان منفصلًا عن مبدئه وآخرته، محدوداً بالجانب النفعي من حياته المادّية،

24

الثمن إذا ارتفع عن حدوده الطبيعية العادلة انخفض الطلب بحكم القانون الطبيعي الذي يحكم بأنّ ارتفاع الثمن يؤثّر في انخفاض الطلب، وانخفاض الطلب بدوره يقوم بتخفيض الثمن، تحقيقاً لقانون طبيعي آخر، ولا يتركه حتّى ينخفض به إلى مستواه السابق، ويزول الشذوذ بذلك.
والمصلحة الشخصية تفرض على الفرد- دائماً- التفكير في كيفية إزادة الإنتاج وتحسينه، مع تقليل مصارفه ونفقاته. وذلك يحقّق مصلحة المجتمع، في نفس الوقت الذي يعتبر مسألة خاصّة بالفرد أيضاً.
والتنافس يقتضي- بصورة طبيعية- تحديد أثمان البضائع، واجور العمّال والمستخدمين بشكل عادل، لا ظلم فيه ولا إجحاف؛ لأنّ كلّ بائع أو منتج يخشى من رفع أثمان بضائعه، أو تخفيض اجور عمّاله، بسبب منافسة الآخرين له من البائعين والمنتجين.
والحرّية الفكرية تعني: أن يعيش الناس أحراراً في عقائدهم وأفكارهم، يفكّرون حسب ما يتراءى لهم ويحلو لعقولهم، ويعتقدون ما يصل إليه اجتهادهم، أو ما توحيه إليهم مشتهياتهم وأهواؤهم بدون عائق من السلطة. فالدولة لا تسلب هذه الحرّية عن فرد، ولا تمنعه عن ممارسة حقّه فيها، والإعلان عن أفكاره ومعتقداته، والدفاع عن وجهات نظره واجتهاده.
والحرّية الشخصية تُعبِّر عن تحرُّر الإنسان في سلوكه الخاصّ من مختلف ألوان الضغط والتحديد. فهو يملك إرادته وتطويرها وفقاً لرغباته الخاصّة، مهما نجم عن استعماله لسيطرته هذه على سلوكه الخاصّ من مضاعفات ونتائج، ما لم تصطدم بسيطرة الآخرين على سلوكهم. فالحدّ النهائي الذي تقف عنده الحرّية الشخصية لكلّ فرد: حرّية الآخرين. فما لم يمسّها الفرد بسوء

23

فمن الطبيعي- أيضاً- أن لا يباح الاضطلاع بمسؤوليّتها لفرد أو لمجموعة خاصّة من الأفراد- مهما كانت الظروف- ما دام لم يوجد الفرد الذي يرتفع في نزاهة قصده ورجاحة عقله على الأهواء والأخطاء.
فلا بدّ- إذن- من إعلان المساواة التامّة في الحقوق السياسية بين المواطنين كافةً؛ لأنّهم يتساوون في تحمُّل نتائج المسألة الاجتماعية، والخضوع لمقتضيات السلطات التشريعية والتنفيذية. وعلى هذا الأساس قام حقّ التصويت ومبدأ الانتخاب العامّ الذي يضمن انبثاق الجهاز الحاكم- بكلّ سلطاته وشُعَبه- عن أكثرية المواطنين.
والحرّية الاقتصادية ترتكز على الإيمان بالاقتصاد الحرّ، وتقرِّر فتح جميع الأبواب، وتهيئة كلّ الميادين أمام المواطن في المجال الاقتصادي. فيباح التملّك للاستهلاك وللانتاج معاً، وتباح هذه الملكية الانتاجية التي يتكوّن منها رأس المال من غير حدٍّ وتقييد، وللجميع على حدّ سواء. فلكلّ فرد مطلق الحرّية في انتهاج أيّ اسلوب وسلوك أيّ طريق لكسب الثروة وتضخيمها ومضاعفتها على ضوء مصالحه ومنافعه الشخصية.
وفي زعم بعض المدافعين عن هذه الحرّية الاقتصادية أنّ قوانين الاقتصاد السياسي- التي تجري على اصول عامّة بصورة طبيعية- كفيلة بسعادة المجتمع، وحفظ التوازن الاقتصادي فيه، وأنّ المصلحة الشخصية التي هي الحافز القوي والهدف الحقيقي للفرد في عمله ونشاطه، هي خير ضمان للمصلحة الاجتماعية العامّة. وأنّ التنافس الذي يقوم في السوق الحرّة، نتيجةً لتساوي المنتجين والمتّجرين في حقّهم من الحرّية الاقتصادية، يكفي وحده لتحقيق روح العدل والإنصاف في شتّى الاتفاقات والمعاملات. فالقوانين الطبيعية للاقتصاد تتدخّل- مثلًا- في حفظ المستوى الطبيعي للثمن، بصورة تكاد أن تكون آلية؛ وذلك أن‏

22

الديمقراطية الرأسمالية

ولنبدأ بالنظام الديمقراطي الرأسمالي، هذا النظام الذي أطاح بلون من الظلم في الحياة الاقتصادية، وبالحكم الدكتاتوري في الحياة السياسية، وبجمود الكنيسة وما إليها في الحياة الفكرية، وهيّأ مقاليد الحكم والنفوذ لفئة حاكمة جديدة حلَّت محلّ السابقين، وقامت بنفس دورهم الاجتماعي في اسلوب جديد.
وقد قامت الديمقراطية الرأسمالية على الإيمان بالفرد إيماناً لا حدّ له، وبأنّ مصالحه الخاصّة بنفسها تكفل- بصورة طبيعية- مصلحة المجتمع في مختلف الميادين … وأنّ فكرة الدولة إنّما تستهدف حماية الأفراد ومصالحهم الخاصّة، فلا يجوز لها أن تتعدَّى‏ حدود هذا الهدف في نشاطها ومجالات عملها.
ويتلخّص النظام الديمقراطي الرأسمالي في إعلان الحرّيات الأربع:
السياسية، والاقتصادية، والفكرية، والشخصية.
فالحرّية السياسية تجعل لكلّ فرد كلاماً مسموعاً، ورأياً محترماً في تقرير الحياة العامّة للُامّة: وضع خططها، ورسم قوانينها، وتعيين السلطات القائمة لحمايتها؛ وذلك لأنّ النظام الاجتماعي للُامّة، والجهاز الحاكم فيها، مسألةٌ تتّصل اتّصالًا مباشراً بحياة كلّ فرد من أفرادها، وتؤثّر تأثيراً حاسماً في سعادته أو شقائه، فمن الطبيعي- حينئذٍ- أن يكون لكلّ فرد حقّ المشاركة في بناء النظام والحكم.
وإذا كانت المسألة الاجتماعية- كما قلنا- مسألة حياة أو موت، ومسألة سعادة أو شقاء للمواطنين الذين تسري عليهم القوانين والأنظمة العامّة …

21

4- النظام الإسلامي.
ويتقاسم العالم اليوم اثنان من هذه الأنظمة الأربعة: فالنظام الديمقراطي الرأسمالي هو أساس الحكم في بقعة كبيرة من الأرض، والنظام الاشتراكي هو السائد في بقعة كبيرة اخرى. وكلٌّ من النظامين يملك كياناً سياسيّاً عظيماً، يحميه في صراعه مع الآخر، ويسلِّحه في معركته الجبّارة التي يخوضها أبطاله في سبيل الحصول على قيادة العالم، وتوحيد النظام الاجتماعي فيه.
وأمّا النظام الشيوعي والإسلامي فوجودهما بالفعل فكري خالص. غير أنّ النظام الإسلامي مرّ بتجربة من أروع تجارب النُّظُم الاجتماعية وأنجحها، ثمّ عصفت به العواصف بعد أن خلا الميدان من القادة المبدئيّين أو كاد، وبقيت التجربة في رحمة اناس لم ينضج الإسلام في نفوسهم، ولم يملأ أرواحهم بروحه وجوهره، فعجزت عن الصمود والبقاء، فتقوَّض الكيان الإسلامي، وبقي نظام الإسلام فكرةً في ذهن الامّة الإسلامية، وعقيدةً في قلوب المسلمين، وأملًا يسعى إلى تحقيقه أبناؤه المجاهدون. وأمّا النظام الشيوعي فهو فكرة غير مُجرَّبة حتّى الآن تجربة كاملة، وإنّما تتّجه قيادة المعسكر الاشتراكي اليوم إلى تهيئة جوٍّ اجتماعي له، بعد أن عجزت عن تطبيقه حين ملكت زمام الحكم، فأعلنت النظام الاشتراكي، وطبّقته كخطوة إلى الشيوعية الحقيقية.
فما هو موضعنا من هذه الأنظمة؟
وما هي قضيّتنا التي يجب أن ننذر حياتنا لها، ونقود السفينة إلى شاطئها؟

20

البشري التي ترمي إلى إقامة البناء الاجتماعي وهندسته، ورسم خططه، ووضع ركائزه، وكان جهاداً مُرهِقاً يضجُّ بالمآسي والمظالم، ويزخر بالضحكات والدموع، وتقترن فيه السعادة مع الشقاء؛ كلّ ذلك لما كان يتمثّل في تلك الألوان الاجتماعية من مظاهر الشذوذ والانحراف عن الوضع الاجتماعي الصحيح.
ولولا ومضات شعَّت في لحظات من تأريخ هذا الكوكب، لكان المجتمع الإنساني يعيش في مأساة مستمرّة، وسبح دائم في الأمواج الزاخرة.
ولا نريد أن نستعرض الآن أشواط الجهاد الإنساني في الميدان الاجتماعي؛ لأنّنا لا نقصد بهذه الدراسة أن نؤرّخ للإنسانية المعذَّبة، وأجوائها التي تقلّبت فيها منذ الآماد البعيدة، وإنّما نريد أن نواكب الإنسانية في واقعها الحاضر، وفي أشواطها التي انتهت إليها؛ لنعرف الغاية التي يجب أن ينتهي إليها الشوط، والساحل الطبيعي الذي لا بدّ للسفينة أن تشقّ طريقها إليه، وترسو عنده؛ لتصل إلى السلام والخير، وتؤوب إلى حياة مستقرّة، يعمرها العدل والسعادة، بعد جهد وعناء طويلين، وبعد تطواف عريض في شتّى النواحي ومختلف الاتّجاهات.

المذاهب الاجتماعية:

إنّ أهمّ المذاهب الاجتماعية التي تسود الذهنية الإنسانية العامّة اليوم، ويقوم بينها الصراع الفكري أو السياسي على اختلاف مدى‏ وجودها الاجتماعي في حياة الإنسان، هي مذاهب أربعة:
1- النظام الديمقراطي الرأسمالي.
2- النظام الاشتراكي.
3- النظام الشيوعي.