الاسس المنطقية للاستقراء
121

اخرى، نتيجة لارتباط إحداهما مع الاخرى بعلاقة من تلك العلاقات، وهذا ما يسمّى بالتداعي. وتلك العلاقات التي تؤدّي إلى التداعي وانتقال الذهن من فكرة إلى فكرة اخرى هي التشابه، والتجاور في الزمان أو المكان، والعلّة والمعلول.
وعلاقة العلّة والمعلول هي أهمّ تلك العلاقات؛ لأنّها تمتاز عن العلاقتين الاخريين بأ نّها لا تقع إلّاعلى حدّ واحد، فتنتقل منه إلى حدّ آخر. أو بعبارة اخرى: تثير بوقوفها على الحدّ الأوّل التفكير في الحدّ الثاني.
فمثلًا إذا رأينا الماء على النار، فسوف تثير علاقة العليّة في ذهننا فكرة حرارة ذلك الماء، رغم أ نّنا لا نملك أيّ انطباع عن تلك الحرارة. وإنّما نملك انطباعاً عن حدّ واحد، أي عن أحد طرفي علاقة العلّة والمعلول، وهو كون الماء على النار. وهذا معنى أنّ علاقة العليّة تقع على حدّ واحد، وتنقل بالذهن إلى الحدّ الآخر، أي الطرف الآخر لعلاقة العلّة والمعلول، وإن لم نحصل منه على أيّ انطباع سابق.
وتختلف عن ذلك علاقة التشابه أو علاقة التجاور؛ لأنّ هاتين العلاقتين وإن كانتا تنقلان الذهن من فكرة الشبيه أو المجاور إلى فكرة شبيهه ومجاوره، ولكنّ كلتا الفكرتين لهما انطباع سابق. فنحن حين نرى شخصاً كنّا نراه فيما سبق يسير باستمرار إلى جانب صديق له، ينتقل ذهننا إلى فكرة ذلك الصديق، ولكنّ هذا الصديق بنفسه كان قد مثل أمام الحسّ، ونشأت فكرتنا عنه من انطباع سابق.
فهكذا نلاحظ أنّ علاقة العليّة وحدها هي القادرة على أن تنقل ذهننا إلى فكرة شي‏ء لم يسبق أن مثل لحواسّنا. وعلى هذا الضوء تعتبر هي الأساس لكلّ الاستدلالات المختصّة بالواقع كما أشرنا سابقاً.

120

غير أنّ هيوم يتناول الانطباعات نفسها فيقسّمها إلى قسمين:
أحدهما: انطباعات الإحساس. والآخر: انطباعات التفكير.
فنحن حينما نبصر أسداً مثلًا نحصل على انطباع له في إدراكنا يتمتّع بالقوّة والحيويّة، وبعد أن يغيب الأسد عن أعيننا يزول الانطباع ويحتفظ الذهن بصورة منه، وهذه الصورة هي الفكرة، أي فكرتنا عن الأسد. وهذه الفكرة قد تولّد في النفس النفور والتهيّب، ويعتبر هذا النفور والتهيّب انطباعاً؛ لأنّه يتمتّع بدرجة كبيرة من الحيويّة والقوّة، وهذا الانطباع ليس وليد الإحساس، وإنّما هو وليد الفكرة، فهو انطباع الفكرة، بينما يكون الانطباع الذي ولّدته رؤيتنا للأسد انطباع الإحساس.
وأيّ انطباع يوجد في إدراكنا فهو يتّخذ بعد غيبة الموضوع مظهره كفكرة، وهذه الفكرة قد تحتفظ بدرجة كبيرة من حيويّة الانطباع، فتكون وسطاً بين انطباع وفكرة، وقد تفقد تلك الحيويّة فقداناً تامّاً فتغدو فكرة خالصة. والملكة التي نستعيد بها انطباعاتنا على المنوال الأوّل هي الذاكرة، والاخرى التي نستعيدها بها على المنوال الثاني هي الخيال. فأفكار الذاكرة تختلف عن أفكار الخيال في قوّتها وحيويّتها، كما تختلف عنها أيضاً في أ نّها نسخ حرفيّة للانطباعات التي ولّدتها ومطابقة لها، على حين أنّ الخيال حرّ طليق، ولكنّ حريّة الخيال ليست بمعنى قدرته على إنشاء أفكار جديدة بدون انطباعات سابقة؛ لأنّ كلّ فكرة لا توجد في إدراكنا إلّانتيجة انطباع، ولكنّ الخيال حرّ في التصرّف بذلك العدد الكبير من الأفكار الناتجة عن الانطباعات، فيفصل ويؤلّف فيما بينها مكوّناً الصور والأوضاع التي تروق له.
وهناك علاقات تنشأ عادةً بين تلك الأفكار الناتجة عن الانطباعات (ولنسمّها بالأفكار البسيطة) تجعل الذهن ينتقل بيسر من فكرة إلى فكرة

119

نستطيع أن نعرف أنّ ما لاحظناه حتّى الآن من اقتران بين الاقتحام والاحتراق سوف يتكرّر في المستقبل بنفس الطريقة التي لاحظناها في الماضي؟ إنّنا بحاجة إلى ما يبرّر لنا المبدأ القائل بأنّ المستقبل يشبه الماضي، إذ بدون هذا المبدأ لا يمكن لأيّ تجربة أن تعطينا استدلالًا على المستقبل، فما هو المبرّر لهذاالمبدأ؟
هكذا يضع (دافيد هيوم) المشكلة، ثمّ يجيب عليها: بأنّ المبرّر لهذا المبدأ ليس منطقيّاً وإنّما هو مبرّر سيكولوجي يمكن اكتشافه بتحليل موسّع لنفس علاقة العلّة والمعلول التي كانت تشكّل الأساس لاستدلالاتنا الخاصّة بامور الواقع.
وفيما يلي توضيح ذلك:
إنّ (هيوم) يصنّف الإدراكات إلى طائفتين: الانطباعات والأفكار.
ونتوصّل إلى التمييز بينهما بمعرفة مقدار القوّة والحيويّة الذي يصحب كلًا منهما في الذهن، فالإدراكات التي تنطوي على مزيد من القوّة والحيويّة هي التي يدعوها هيوم انطباعات، وتندرج في هذه الطائفة جميع إحساساتنا وعواطفنا وانفعالاتنا.
وأمّا الأفكار، فهي الصور الواهنة لهذه الانطباعات التي نجدها في إدراكنا حال غيبة الموضوع عنّا، فنحن حين نواجه البحر نحصل على إدراك للبحر على درجة كبيرة من القوّة والحيويّة، وهذا هو الانطباع. فإذا غبنا عنه وتصوّرناه كان إدراكنا للبحر صورة لذلك الانطباع لا تتمتّع بما كان الانطباع يتّسم به من قوّة ووضوح، وهذا هو الفكر.
وبعد أن يميّز (هيوم) بين الانطباعات والأفكار، يؤكّد الرأي القائل: بأنّ الانطباعات لها السبق دائماً على الأفكار، فكلّ فكرة بسيطة أو مركّبة مردّها إلى تلك الانطباعات.

118

المدارس الكبيرة في علم النفس الحديث- لكي تواصل اتجاه دافيد هيوم نحو التفسير السيكولوجي للدليل الاستقرائي بعد أن أدخلت تطويراً مهمّاً على هذا الاتجاه، إذ نقلته من الصعيد الفلسفي إلى الصعيد العلمي.
يوضّح (دافيد هيوم) مشكلة الدليل الاستقرائي التي يحاول علاجها كما يلي:
إنّ جميع الاستدلالات الخاصّة بامور الواقع مبتنية على علاقة العلّة والمعلول، وهذه العلاقة هي العلاقة الوحيدة التي يمكن أن تتعدّى الحواسّ وتنبئنا بموجودات وأشياء لا نراها ولا نشعر بها، فإذا سألت شخصاً عن السبب في اعتقاده بأمر من امور الواقع غائب عنه، فسوف يبادر إلى تبرير اعتقاده بذلك عن طريق علمه بواقعة اخرى، ترتبط بذلك الشي‏ء بعلاقة العلّة والمعلول، فيقول مثلًا:
إنّي أعتقد بأنّ فلاناً مريض، لأنّي رأيت الطبيب يدخل إلى منزله، أو لأنّه كان بالأمس مزمعاً على تناول طعام مضرّ يؤدّي إلى ذلك المرض. وإذا رأينا شخصاً يقتحم النار محاولًا الانتحار، نجد من حقّنا أن نخبر بأ نّه سوف يحترق ويموت؛ لأنّ بين اقتحام النار والاحتراق علاقة العلّة والمعلول. وما دمنا قد شاهدنا العلّة، فمن الطبيعي أن نعرف المعلول.
ولكنّنا نتساءل مرّة اخرى: كيف عرفنا هذه العلاقة بين اقتحام النار والاحتراق؟ والجواب: أنّ مصدر هذه المعرفة هو التجربة التي جعلنا نلاحظ فيما سبق أنّ اقتحام النار يقترن دائماً بالاحتراق. ومرّة اخرى نتساءل: كيف‏

 

__________________________________________________
– على أساس الدراسة الموضوعيّة للسلوك، وتعتبر السلوك مجرّد استجابةٍ فيسيولوجيّة للمنبّهات البيئيّة الخارجيّة والعمليّات البيولوجيّة الباطنيّة … رائدها الأوّل جون واطسون (nostaW) عام 1913 م (لجنة التحقيق)

117

الاتجاه الثالث ونزعته السيكولوجيّة

ويمكننا أن نطلق على الاتجاه الثالث في صفوف التجريبيّين اسم الاتجاه السيكولوجي في تفسير الدليل الاستقرائي، وهو اتجاه يؤدّي إلى تجريد الاستدلال الاستقرائي من أيّ قيمة موضوعيّة، ويربط الاعتقاد الاستقرائي بالعادة.

وقد يكون الرائد الأوّل لهذا الاتجاه (دافيد هيوم‏[1]) الذي يعتبر من طليعة الفلاسفة الذين بشّروا بالمذهب التجريبي، وكرّسوا كلّ جهودهم الفلسفيّة لتثبيته والدفاع عنه، وجاءت بعد ردح من الزمن السلوكيّة الحديثة[2]– التي تمثّل إحدى‏

 

[1] جاء في ترجمته: دايفيد هيوم(David Hume ):( 1711- 1776 م): فيلسوف ومؤرّخ اسكتلندي، منشئ الفلسفة الظاهريّة التي تنبثق من فلسفتي« جون لوك» و« بيركلي» من آثاره:« بحث في الفهم البشري»( 1748 م) و« دراسة في الطبيعة البشريّة»( 1739 م) و« تاريخ إنگلترا». وأمّا نظريّته المطروحة هنا حول الدليل الاستقرائي وجذورها الفلسفيّة فهي منقولة بالمعنى عن كتاب« ديفيد هيوم» تأليف( زكي نجيب محمود) الصفحة 33 وما بعدها( لجنة التحقيق)

[2] جاء في( موسوعة المورد): السلوكيّة(Behaviorism ): مدرسة في علم النفس تقوم-

116

يجعل حساب الاحتمال عاجزاً حتّى عن تنمية احتمال التعميم على أساس الاستقراء.
فالمنطق التجريبي بين أمرين: إمّا أن يتنازل عن مفهومه التجريبي للسببيّة، ويعترف بمفهومها العقلي المستبطن للضرورة بدرجة لا تقلّ عن درجة اعترافه بأيّ قضيّة استقرائيّة مدعمة بأقوى البيّنات الاستقرائيّة، وإمّا أن يصرّ على استبعاد المفهوم العقلي وعلى التعامل مع ظواهر الطبيعة على أساس المفهوم التجريبي للسببيّة، فيعجز حتّى عن تفسير الترجيح الاستقرائي. وهذا ما سوف يتّضح خلال القسم الآتي من بحوث هذا الكتاب، إذ نخرج بقضيّة من أهمّ القضايا الجديدة التي يثبتها هذا الكتاب، وهي: أنّ أيّ ترجيح احتمالي للتعميمات الاستقرائيّة على أساس الاستقراء يرتبط بمدى قدرة الاستقراء على إيجاد ترجيح مماثل لفرضيّة السببيّة بمفهومها العقلي.

115

على كذبها.
وسوف ندرس في البحث المقبل الشروط المنطقيّة التي يجب أن تتوفّر لكي تكون المصادرة التي تفترض اليقين الموضوعي بالقضيّة الاستقرائيّة معقولة، وسوف نجد أنّ هذا اليقين في إطار تلك الشروط لا يوجد أيّ مبرّر منطقي عكسي يبرهن على أ نّه مستحيل، وعلى أنّ الاحتمال المقابل يجب أن يظلّ ثابتاً.
الثاني: قلنا: إنّا لا نستطيع أن نبرهن للمنطق التجريبي والتجريبيين على وجود العلم الاستقرائي، ولكنّ القسم المقبل من بحوث هذا الكتاب يتيح لنا أن نبرهن على أ نّا إذا انطلقنا في دراسة الدليل الاستقرائي من مفاهيم المنطق التجريبي، فسوف يؤدّي بنا ذلك لا إلى إنكار العلم بالقضيّة الاستقرائيّة فحسب، بل إلى إنكار أيّ درجة من درجات الترجيح للقضيّة الاستقرائيّة على أساس الاستقراء، وهذا ما لا يسمح المنطق التجريبي- عادةً- بقبوله.
فقد اعترف الدكتور زكي بأنّ القضيّة الاستقرائيّة تكتسب ترجيحاً متنامياً على أساس الاستقراء، أي أنّ قيمة احتمال القضيّة الاستقرائيّة تزداد كلّما شمل الاستقراء شواهد وأمثلة أكثر. وقد فسّر الدكتور زكي في الفصل الأخير من كتابه (المنطق الوضعي) هذا الازدياد على أساس حساب الاحتمال، وسوف نبرهن في البحث المقبل على أنّ حساب الاحتمال لا يمكن أن يؤدّي إلى ازدياد قيمة احتمال القضيّة الاستقرائيّة واقترابه من اليقين، إلّاإذا أدّى في نفس الوقت وبنفس الدرجة إلى ترجيح فرضيّة السببيّة بمفهومها العقلي، أي إنّ المفهوم العقلي للسببيّة الذي يستبطن الضرورة شرط أساسي لنموّ الاحتمال بالقضيّة الاستقرائيّة، والمنطق التجريبي يرفض الاعتراف بالمفهوم العقلي للسببيّة، ويتعامل مع الطبيعة على أساس المفهوم التجريبي للسببيّة. وأيّ تعامل على أساس المفهوم التجريبي‏

114

أن يحقّقه عبر تنميته المستمرّة للتصديق بالقضية الاستقرائيّة. ولن نبرهن على هذا اليقين الموضوعي، وإنّما نفترض وجوده- كمصادرة- ونتولّى تفسيره.
وسوف أكتفي بهذه الإشارة تاركاً توضيحها إلى البحث المقبل.
هذا حديثنا مع المنكرين للعلم الاستقرائي.
وأمّا اولئك الذين يفتّشون عن المبرّر العقلي في مجال التعميمات الاستقرائيّة، فالحديث معهم يتوقّف على تحديد دور هذا المبرّر العقلي الذي يفتّشون عنه.
فإن كانوا يريدون مبرّراً منطقيّاً يبرهن على القضيّة الاستقرائيّة بطريقة استنباطيّة، ويستمدّ تبريره لها من مبدأ عدم التناقض على أساس كونها مستبطنة في المقدّمات، فمن العبث أن نحاول الحصول على مبرّر من هذا النوع للتعميم الاستقرائي الذي يسير فيه الاستدلال من الخاصّ إلى العامّ. ولسنا بحاجة إلى إثبات هذا المبرّر؛ لأنّنا لا نزعم للقضيّة الاستقرائيّة يقيناً منطقيّاً، وإنّما نؤمن في المجال الاستقرائي باليقين الموضوعي الذي سوف ندرس في الفصل المقبل التمييز بينه وبين اليقين المنطقي، ونعرف أ نّه ليس بحاجة إلى مبرّرات منطقيّة مستمدّة من مبدأ عدم التناقض.
وإذا كان هؤلاء يريدون مبرّراً منطقيّاً عكسيّاً، ويزعمون أنّ لديهم المبرّر المنطقي الذي يبرهن على أنّ نفي القضيّة الاستقرائيّة يجب أن يظلّ محتملًا مهما امتدّ الاستقراء واتّسع، فهذا زعم جدير بالبحث؛ لأنّ خصوم الاستقراء إذا كانوا يملكون حقّاً مبرّراً منطقيّاً يبرهن على أنّ احتمال النفي للقضيّة الاستقرائيّة لا يمكن أن يزول من ذهن الإنسان السوي، فليس بالإمكان أن نفترض اليقين الموضوعي بالقضيّة الاستقرائيّة كمصادرة؛ لأنّ المصادرة التي تتّخذ أساساً لبناء سليم، يجب أن يتوفّر فيها على الأقلّ السلامة من أيّ برهان عكسي‏

113

بذلك تحويل الاستقراء إلى استنباط وسير من العامّ إلى الخاصّ، بل هو نمط آخر من الاستدلال لا يدخل في نطاق الاستنباط، وهذا الاستدلال يسير من الخاصّ إلى العامّ دون الاستعانة بأيّ مبادئ عقليّة قبليّة.
ونحن حين نتناول هذه القضيّة بالبحث في القسم المقبل من هذا الكتاب، سوف لن نستطيع أن نقدّم برهاناً على أنّ الإنسان السوي يعلم بعدد كبير من التعميمات على أساس الاستقراء، فنحن لا نملك حقّاً برهاناً يقنع الشخص بوجود هذا العلم إذا أنكره، وماذا عسانا نقول لمن ينكر علمه بأ نّه إذا أكل فسوف يشبع، وإذا قطع رقبة ابنه فسوف يموت، وإذا وضع كوباً من ماء على الموقد المشتعل فلن يحدث فيه الانجماد!؟
إنّ موقفنا من هذا الإنكار يشبه الموقف الذي يتّخذه أيّ إنسان تجاه الفيلسوف المثالي الذي ينكر وجود العالم وأيّ واقع موضوعي خارج نطاق تصوّراتنا، ويزعم أ نّه لا يعلم بشي‏ء خارج نطاق هذه التصوّرات! فكما لا يمكننا أن نبرهن للفيلسوف المثالي على أ نّه يعلم بأنّ لزوجته وأولاده وداره واقعاً موضوعيّاً- وإن كنّا متأكّدين من أ نّه يعلم بذلك على أساس طبيعة تعامله مع هذه الأشياء- كذلك لا يمكننا أن نبرهن ضدّ شخص ينكر العلم بأ نّه إذا أكل فسوف يشبع، وإذا ذبح ابنه فسوف يموت، ويرى أنّ الاستقراء المديد في تأريخ البشريّة لا يكفي للعلم بذلك إذا لم يكن الإنسان مسرفاً في اعتقاده!
وما سوف نعني به في البحث المقبل، هو التمييز بين ثلاثة أنواع، وهي:
اليقين المنطقي، واليقين الموضوعي، واليقين الذاتي. وننتهي من دراسة هذه الأنواع الثلاثة إلى أنّ اليقين المنطقي يختصّ بالاستدلال الاستنباطي ولا يشمل الاستدلالات الاستقرائيّة، وأنّ اليقين الذاتي مسألة شخصيّة وليس له مقياس موضوعي، وأنّ اليقين الموضوعي هو اليقين الذي يمكن للاستدلال الاستقرائي‏