الاسس المنطقية للاستقراء
580

12- كيهان العربي، العدد: 691/ 12 كانون 1986 م نقلًا عن جريدة الأهرام المصريّة.
13- المعرفة الإنسانيّة (برتراند رسل) باللغة الإنجليزيّة، لندن 1948 م.
14- معيار العلم (الغزالي) طبعة مكتبة الهدى، بيروت.
15- المنجد في اللغة (لويس معلوف)
16- منطق أرسطو، تحقيق عبد الرحمن بدوي، طبعة دار الكتب المصريّة 1948 م.
17- منطق الإشارات (ابن سينا) طبعة القدس، قم.
18- المنطق الحديث ومناهج البحث (د. محمود قاسم) دار المعارف، مصر، الطبعة السادسة، 1970 م.
19- المنطق الوضعي (د. زكي نجيب محمود) الطبعة الثانية، مكتبة الانجلو المصريّة 1956 م.
20- موسوعة المورد (منير البعلبكي) دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الاولى 1980 م.

579

فهرس المصادر

1- القرآن الكريم.
2- الأسفار الأربعة (صدر الدين الشيرازي) دار المعارف الإسلاميّة، مطبعة قم، 1378 ه.
3- اصول فلسفه و روش رئاليسم (السيّد محمّد حسين الطباطبائي) مطبعة سپهر، طهران، الطبعة السادسة 1368 ش.
4- البرهان (ابن سينا) تحقيق عبد الرحمن بدوي.
5- تاريخ الفلسفة الحديثة (يوسف كرم) دار ابن النفيس، نواقشوط، موريتانيا (طبعة حديثة بدون تاريخ).
6- چون ستيورت مل (د. توفيق الطويل) دار المعارف، مصر (بدون تاريخ).
7- ديفد هيوم (د. زكي نجيب محمود) دار المعارف، مصر، سنة 1958 م.
8- شرح المنظومة (السبزواري) نشر ناب إيران، الطبعة الاولى 1369 ش.
9- شهيد الامّة وشاهدها (الشيخ محمّد رضا النعماني) طبعة المؤتمر العالمي للإمام الشهيد قدس سره 1421 ه.
10- فلسفة هيوم (د. محمّد فتحي الشنيطي).
11- القانون في الطبّ (ابن سينا) منشورات محمّد علي بيضون 1999 م، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان.

578

القيمة التي يمنحها للاستدلال العلمي.

وهكذا نبرهن على أنّ العلم والإيمان مرتبطان في أساسهما المنطقي الاستقرائي، ولا يمكن- من وجهة النظر المنطقية للاستقراء- الفصل بينهما.

وهذا الارتباط المنطقي بين مناهج الاستدلال العلمي، والمنهج الذي يتّخذه الاستدلال على إثبات الصانع بمظاهر الحكمة، قد يكون هو السبب الذي أدّى بالقرآن الكريم إلى التركيز على هذا الاستدلال من بين ألوان الاستدلال المتنوّعة على إثبات الصانع، تأكيداً للطابع التجريبي والاستقرائي للدليل على إثبات الصانع.

فإنّ القرآن الكريم- بوصفه الصيغة الخاتمة لأديان السماء- قد قدّر له أن يبدأ بممارسة دوره الديني مع تطلّع الإنسان نحو العلم، وأن يتعامل مع البشرية التي أخذت تبني معرفتها على أساس العلم والتجربة، وتحدّد بهذه المعرفة موقفها في كلّ المجالات. فكان من الطبيعي- على هذا الأساس- أن يتّجه القرآن الكريم إلى دليل القصد والحكمة- بوصفه الدليل الذي يمثّل المنهج الحقيقي للاستدلال العلمي، ويقوم على نفس اسسه المنطقية-، ويفضّله على سائر الصيغ الفلسفية للاستدلال على وجود اللَّه تعالى.

هذا إضافة إلى أنّ الدليل التجريبي على وجود اللَّه- الذي يضع هذا الكتاب أساسه المنطقي- أقرب إلى الفهم البشري العامّ، وأقدر على مل‏ء وجدان الإنسان- أيّ إنسان- وعقله بالإيمان من البراهين الفلسفية ذات الصيغ النظرية المجرّدة التي يقتصر معظم تأثيرها على عقول الفلاسفة وأفكارهم.

«سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ»[1].

 

[1] فصّلت: 53

577

إنّ هذه الدراسة الشاملة التي قمنا بها كشفت عن الاسس المنطقية للاستدلال الاستقرائي، الذي يضمّ كلّ ألوان الاستدلال العلمي القائم على أساس الملاحظة والتجربة. واستطاعت أن تقدّم اتجاهاً جديداً في نظرية المعرفة يفسّر الجزء الأكبر منها تفسيراً استقرائياً مرتبطاً بتلك الاسس المنطقية التي كشف عنها البحث.
وتبرهن هذه الدراسة في نفس الوقت، على حقيقة في غاية الأهمية من الناحية العقائدية. وهي الهدف الحقيقي الذي توخّينا تحقيقه عن طريق تلك الدراسة.
وهذه الحقيقة هي أنّ الاسس المنطقية التي تقوم عليها كلّ الاستدلالات العلمية المستمدّة من الملاحظة والتجربة، هي نفس الاسس المنطقية التي يقوم عليها الاستدلال على إثبات الصانع المدبّر لهذا العالم، عن طريق ما يتّصف به العالم من مظاهر الحكمة والتدبير، فإنّ هذا الاستدلال- كأيّ استدلال علمي آخر- استقرائي بطبيعته، وتطبيق للطريقة العامّة التي حدّدناها للدليل الاستقرائي في كلتا مرحلتيه.
فالإنسان بين أمرين: فهو إمّا أن يرفض الاستدلال العلمي ككلّ، وإمّا أن يقبل الاستدلال العلمي، ويعطي للاستدلال الاستقرائي على إثبات الصانع نفس‏

576

575

الكلمة الأخيرة

574

للأصغر بتدخّل الأوسط، وتنتهي الاستدلالات القياسية جميعاً إلى حدّ يثبت لآخر بدون توسّط حدّ ثالث.
وهذه القضايا لا يمكن إثباتها باستنباط واستدلال عقلي، وإنّما تدرك إدراكاً عقلياً مباشراً، وهذا الإدراك العقلي المباشر لها- كما يمكن أن يكون متمثّلًا في أعلى درجة من درجات التصديق التي تمثّل اليقين- كذلك قد يتمثّل في درجات أقلّ من ذلك.
وما دامت بعض المعارف الأوّلية بالإمكان أن تحصل بقيم احتمالية في البداية، فمن الممكن تنمية هذه القيم الاحتمالية وفقاً لنظرية الاحتمال، فكلّما وجدت احتمالات تتضمّن تلك المعرفة الأوّلية المحتملة ازدادت قيمتها الاحتمالية.

573
بداية المعرفة:

وهناك قسمان من المعرفة- على الأقلّ- يجب أن يشكّلا بداية للمعرفة:
أحدهما: المعرفة التي تفترضها بديهيات نظرية الاحتمال.
والآخر: المعرفة بنفس الخبرة الحسّية، لا بموضوعاتها.
فنحن حين نشاهد سحاباً في السماء تعتبر مشاهدتنا خبرة حسّية، والسحاب في السماء هو موضوع هذه المشاهدة، ومعرفتنا بالمشاهدة نفسها معرفة ابتدائية أوّلية وليست مستدلّة، وأمّا معرفتنا بوجود سحاب في السماء فهي معرفة مستدلّة بطريقة استقرائية، كما تقدّم في الفصل السابق.

هل من الضروري أن تكون المعرفة الأوّليّة يقينيّة؟

وإذا كان لا بدّ للمعرفة من بداية، وكانت هذه البداية تمثّل معرفة أوّلية غير مستدلّة، فليس من الضروري دائماً أن تكون هذه المعرفة يقينية، بل قد تكون احتمالية. ويمكن أن نتصوّر المعرفة الأوّلية الاحتمالية في مجالين:
أحدهما: مجال الخبرة الحسّية. فقد تقدّم أنّ معرفتنا بنفس خبراتنا الحسّية معرفة أوّلية، وقد يتّفق أن تكون هذه المعرفة محتملة لا مؤكّدة، فالإنسان كثيراً ما لا يشكّ في أ نّه يسمع صوتاً أو يرى شبحاً، وذلك في حالات وضوح الصوت أو الشبح، ولكن يتّفق في بعض الأحيان أن يخفت الصوت إلى درجة فيصبح سماعه محتملًا لا مؤكّداً، ويبتعد الشبح إلى مسافة فتصبح رؤيته محتملة لا مؤكّدة.
والآخر: مجال القضايا العقلية الأوّلية التي يكون ثبوت المحمول للموضوع فيها ثبوتاً مباشراً بدون تدخّل الحدّ الأوسط. فإنّ هذه القضايا هي أساس كلّ الاستدلالات القياسية؛ لأنّ كلّ استدلال قياسي يثبت الحدّ الأكبر

572

هذه القيمة بقدر ما يدعو الاحتمال الأوّل إلى تخفيضها.
فمثلًا: نفترض أنّ قيمة احتمال وفاة الانكليزي في سن الستّين: 2/ 1 على أساس نسبة تكرّر الوفاة في أبناء الستّين في الإحصاءات الرسمية، فإذا رجعنا بعد ذلك إلى الإحصاءات الرسمية ووجدنا في إحصاء آخر: أنّ نسبة الخطأ في الإحصاءات الرسمية هي: 10/ 1، فهذا يعني أنّ النسبة السابقة وهي 2/ 1 من المحتمل بدرجة 10/ 1 أن تكون خطأ، وذلك إمّا بأن تكون النسبة السابقة أكبر من النصف، وإمّا بأن تكون أصغر منه. فاحتمال الخطأ يعبّر- إذن- عن إمكانيّتين متعادلتين: إحداهما تخفض والاخرى ترفع، وبذلك تبقى قيمة احتمال وفاة الانكليزي البالغ ستّين سنة: 2/ 1، لا 2/ 1* 10/ 1.

المتراجعة غير المتناهية:

وأمّا فيما يتّصل بالمتراجعة غير المتناهية التي فرضها (رايخنباخ) ليستغني عن افتراض بداية للمعرفة، فنحن نؤمن بأنّ هذا غير ممكن، وأ نّه بدون بداية حقيقية للمعرفة لا يمكن أن توجد معرفة؛ لأنّ الاحتمال الذي يحدّد مثلًا معرفتنا بأنّ الرجل الانكليزي في سن الستّين يموت، إذا أخذناه بوصفه درجة تصديق- أي بوصفه معرفة-، فلا يمكن أن يفسّر إلّاعلى أساس نظرية الاحتمال- بالمعنى الذي تقدّم في الفصل السابق، ببديهياتها التي حدّدناها-، فلا بدّ في كلّ تطبيق لنظرية الاحتمال من افتراض معرفة سابقة بتلك البديهيات. وهذا يبرهن على أنّ تلك المعرفة تشكّل بداية للمعرفة، وقد مرّ بنا أنّ تلك البديهيات لا يمكن تطبيقها إلّاعلى أساس علم إجمالي، فلا توجد إذن معرفة احتمالية على أساس نظرية الاحتمال إلّاإذا كان هناك علم.