الاسس المنطقية للاستقراء
571

احتمالنا الذي حدّدناه في المرحلة الاولى من تلك المتراجعة صفراً تقريباً. لأنّنا إذا رمزنا إلى فئة الرجال الانكليز البالغ عمرهم ستّين سنة ب (ألفا) وإلى فئة الموتى ب (بيتا)، فاحتمال أن يكون عضو في (ألفا) عضواً في (بيتا) ن 1 م 1، وفي المرحلة الثانية نعطي هذه العبارة احتمالًا هو: ن 2 م 2، وذلك بعد جعلها عضواً في متسلسلة من العبارات المتماثلة، وفي المرحلة الثالثة نعطي الاحتمال‏ن 3 م 3 إلى العبارة بأنّ هناك احتمال‏ن 2 م 2 في صالح الاحتمال الأوّل ن 1 م 1، وهكذا دواليك. فإذا مضينا بهذه المتراجعة غير المتناهية فإنّ الاحتمال النهائي في صالح صحّة تقديرنا الاولى: ن 1 م 1 يكون حاصل ضرب ن 2 م 2* ن 3 م 3* ن 4 م 4 … وهذا الحاصل يساوي صفراً تقريباً. وهذا يعني: أ نّا حينما نختار التقدير الأرجح في المرحلة الاولى نكاد نكون على يقين بأ نّنا على خطأ[1].

مناقشة (رسل):

ولكن بالإمكان الاعتراض على مناقشة (رسل) هذه بأنّ كلّ تقدير نضعه في تراجعنا المتسلسل- وإن كان من المحتمل خطأه-، ولكن هذا الخطأ يتضمّن احتمالين: فقد يكون الخطأ متمثّلًا في أنّ نسبة الأخطاء في الإحصاء الرسمي أكبر من النسبة التي وجدناها في القوائم التي أحصت أخطاء الإحصاءات الرسمية، وقد يكون الخطأ متمثّلًا في أنّ نسبة الأخطاء في الإحصاء الرسمي أصغر من النسبة التي حدّدت تلك القوائم. والاحتمال الأوّل يدعو إلى تخفيض قيمة الاحتمال التي حدّدناها في المرحلة الاولى، والاحتمال الثاني يدعو إلى تصعيد

 

[1] المصدر السابق: 234

570

تكرار معيّنة، وهكذا نتراجع باستمرار دون حاجة إلى افتراض نهاية لهذا التراجع.

وقد أوضح (رسل) هذه الفكرة في المثال التالي:

ما هي قيمة احتمال أن يموت الرجل الإنكليزي الذي بلغ ستّين عاماً خلال سنة واحدة؟ والمرحلة الاولى واضحة. فإذا اعتقدنا أنّ السجلّات دقيقة قسِّم عدد الناس الذين توفّوا أثناء السنة المنصرمة على المجموع الكلّي. ولكن ينبغي أن نتذكّر بعد ذلك أنّ كلّ مادّة في الإحصائيات عرضة للخطأ، ولكي نحسب احتمال هذا الخطأ يجب أن نحصل على مجموعة من الإحصائيات المماثلة التي تمّ تعقّبها بدقّة، ونكتشف النسبة المئوية للأخطاء فيها. ثمّ نتذكّر أنّ الذين اعتقدوا أ نّهم اكتشفوا خطأ قد يكونون هم أنفسهم مخطئين، فنشرع في الحصول على إحصائيات الأخطاء عن الأخطاء. وهكذا نتراجع ونحن في كلّ مرحلة نفترض أنّ احتمالات المرحلة التي سوف نصل إليها في التسلسل بعدها حقائق ثابتة، فحينما كنّا نريد أن نحدّد قيمة احتمال أن يموت الشخص في تلك السنّ المعيّنة افترضنا أنّ الإحصائيات الرسمية حقائق ثابتة، وعلى أساسها استخرجنا قيمة ذلك الاحتمال بوصفه معبّراً عن نسبة تكرار، وعندما أخذنا قضية من الإحصائيات الرسمية نفسها لنحدّد قيمة احتمال صدقها، استندنا إلى قوائم إحصاء الأخطاء في الإحصائيات الرسمية، بافتراض أنّ تلك القوائم حقائق ثابتة، وهكذا[1].

اعتراض (رسل) على المحاولة:

واعترض (رسل) على ذلك بأنّ هذه المتراجعة غير المتناهية، تجعل قيمة

 

[1] المعرفة الإنسانية؛ ل( رسل): 433

569
هل من الضروري أن يكون للمعرفة بداية؟

إذا كانت المعرفة الإنسانية مستنتجة بعضها من بعض بطريقة استنباطية أو استقرائية، فيجب أن تكون لهذه المعرفة بداية تتمثّل في معارف غير مستنتجة بأيّ صورة من صور الاستنباط أو الاستقراء؛ لأنّنا لو لم نفترض هذه البداية لواجهنا متراجعة لا نهائية، ولتوقّف التوصّل إلى معرفة على حصول عدد لا نهائي من المعارف، وبالتالي تصبح المعرفة مستحيلة.

محاولة (رايخنباخ‏[1]) للاستغناء عن البداية:

غير أنّ هناك محاولة قام بها بعض الباحثين للاستغناء عن افتراض هذه البداية من قبيل (رايخنباخ)، وتقوم محاولته هذه على أساس الفروض التالية:

أوّلًا: أنّ المعرفة الإنسانية كلّها معرفة احتمالية.

ثانياً: أنّ هذه المعرفة الاحتمالية تفسّر على أساس نظرية الاحتمال.

ثالثاً: أن يؤخذ (الاحتمال) في نظرية الاحتمال بمعنى التكرار، ويفترض أنّ نسبة التكرار في الماضي ثابتة في المستقبل.

فعلى أساس هذه الفروض يصبح أيّ احتمال معبّراً عن نسبة تكرار معيّنة، وتحديد تلك النسبة يقوم على أساس احتمالات هي بدورها تعبّر عن نسب‏

 

[1] جاء في ترجمته: هانز ريشنباخ(Hans Reichenbach ):( 1891- 1953 م): يهودي ألماني، حصل على الدكتوراه في( الاحتمال). اشترك مع« رودولف كارناپ» في إصدار مجلّة« العلم الموحّد» الناطقة باسم الوضعيّين المنطقيّين، وعُرف بإسهاماته في دراسة الاحتمال والاستقراء والمكان والزمان( لجنة التحقيق)

568

مبدأ الهويّة بوصفه قضية ثابتة، والثانية تتحدّث عن مبدأ الهوية بوصفه قضية ثابتة وضرورية، فعنصر الضرورة يجعل مدلول القضية الثانية أكبر من مدلول القضية الاولى. وهذا ما يتعذّر على الموقف الثاني تفسيره، بسبب أنّ الحالة التي يفترضها صدق أيّ واحدة من القضيّتين للخبرة الحسّية هي نفس الحالة التي يفترضها صدق القضية الاخرى؛ لأنّ الضرورة المنطقية لمبدأ الهويّة لا تدخل في نطاق الخبرة الحسّية، وهذا يعني أنّ العنصر الذي تتميّز به القضية الثانية عن القضية الاولى لا أثر له في تصوّرنا للخبرة الحسّية. وما دامت حالة الخبرة الحسّية واحدة في حالة صدق أيّ واحدة من القضيّتين السابقتين، يجب أن يكون معنى القضيّتين واحداً على أساس الموقف الثالث، وتصبح أيّ قضيّة تتحدّث عن الضرورة بدون معنى، مع أنّ المنطق الوضعي يؤمن بالضرورة المنطقية، ويعترف بأنّ كلّ القضايا الرياضية البحتة والمنطق تشتمل على عنصر الضرورة، وليست مجرّد اطّراد مستمرّ للتقارن أو التعاقب بين حالتين، كما هي الحالة في القوانين السببيّة.

567

بإمكان تحقيقها، ولا سبيل إلى التعرّف على هذا الإمكان إلّاعن طريق التحقيق فعلًا.

نقد الموقف الثاني:

وأمّا الموقف الثاني، وهو الذي يربط معنى القضية بتوفّر تصوّرين مختلفين للخبرة الحسّية في حالتي صدق القضية وكذبها، فلا يوجد- فيما أرى- ما يبرّر الأخذ به أيضاً. ولكي يتّضح ذلك يجب أن نعرف: ماذا نعني بمعنى القضية؟ فقد نفسّر معنى القضية بتفسير يتضمّن الموقف الثاني، فنقول مثلًا: معنى القضية هو أن يكون بإمكانها إعطاؤنا تصوّرين مختلفين عن الخبرة الحسّية في حالتي صدقها وكذبها. وبكلمة اخرى: إنّ معنى القضية هو أن تعطينا صورة ذهنية لحالة من حالات الخبرة الحسّية، أو لحالة يمكن أن تكون من حالات الخبرة الحسّية. وفي ضوء تعريف كهذا يصبح الموقف الثاني صادقاً، ولكنّه صدق يقوم على أساس مصادرة لا مبرّر لها، وهي افتراض هذا الموقف في نفس التعريف.
والحقيقة أ نّنا بحاجة إلى تفسير لمعنى القضية يتيح لها أن تتّصف بالصدق أو الكذب، ولا مبرّر لافتراض شي‏ء أكثر من ذلك في التعريف. والصدق والكذب يفترضان صورة ذهنية للقضية تشتمل على تصوّر للموضوع، وتصوّر للمحمول، وتصوّر للعلاقة بينهما، فإذا كانت مفردات القضية تعطينا هذه التصوّرات الثلاثة كان بإمكاننا ذهنيّاً التلفيق بينها وتكوين تصوّر مركّب يمثّل معنى القضية في ذهننا، وهو الذي يتيح للقضية أن تتّصف بالصدق أو الكذب.
وإلى جانب ذلك نجد أنّ الموقف الثاني يعجز عن تفسير بعض الحالات.
مثلًا لنأخذ القضيتين التاليتين: «كلّ (أ) هي (أ)»، «كلّ (أ) هي (أ) بالضرورة»، ونلاحظ أنّ القضية الثانية أكبر مدلولًا من القضية الاولى؛ لأنّ الاولى تتحدّث عن‏

566

لها معنى من وجهة نظر المنطق الوضعي، وإن كانت تتّصل بعالم الطبيعة. فالقضية القائلة: «إنّ الوجه الآخر للقمر الذي لا يقابل الأرض زاخر بالجبال والوديان» غير محقّقة فعلًا، إذ لا نملك في الوقت الحاضر الإمكانات التجريبية لاستكشاف صدق هذه القضية، رغم أ نّها تتحدّث عن الطبيعة. ولا يمكن أن تعتبر أمثال هذه القضية خاوية لا معنى لها، مع أ نّنا نعلم جميعاً: أنّ العلم كثيراً ما يطرح قضايا من هذا القبيل على صعيد البحث قبل أن يملك التجربة الحاسمة بصددها، ويظلّ يبحث عن ضوء يعينه على تحقيقها حتّى يجده في نهاية المطاف، أو يعجز عن الظفر به، فلماذا كلّ هذا الجهد العلمي لو كانت كلّ قضية لا تحمل بيدها دليل صدقها أو كذبها من الخبرة الحسّية، خواءً ولغواً من القول؟!
وأمّا الافتراض الثاني فهو يسمح لتلك القضية التي تتحدّث عن الوجه الآخر من القمر أن يكون لها معنى؛ لأنّ تحقيقها في الخبرة الحسّية ممكن من الناحية المنطقية، ولكن يجب أن ندرس هذا الإمكان نفسه، لنعرف كيف يتاح لنا التأكيد على أنّ القضايا التي لم تحقّق فعلًا بالإمكان تحقيقها؟ فما دام إمكان التحقيق شرطاً أساسياً في تكوين معنى القضية، فلكي نعرف أنّ للقضية معنى يجب أن نعرف إمكان تحقيقها، فهل هناك من سبيل لمعرفة إمكان تحقيق القضية سوى تحقيقها فعلًا؟
فإن سلّم المنطق الوضعي بأ نّا نتعرّف على إمكان تحقيق القضية عن غير طريق تحقيقها في الخبرة الحسّية فعلًا، فهذا يعني تسليمه بمعرفة مستقلّة عن الخبرة والتجربة، وبذلك يفقد المنطق الوضعي قاعدته الرئيسية.
وإذا أنكر المنطق الوضعي أيّ سبيل للتعرّف على إمكان تحقيق القضية سوى تحقيقها فعلًا، أدّى ذلك إلى أنّ القضية التي تتحدّث عن الوجه الآخر للقمر لا يمكن اعتبارها قضية ذات معنى ما لم تحقّق فعلًا؛ لأنّ كونها ذات معنى مرتبط

565

بالإمكان تحقيقها بخبرتي الحسّية خاصّة؟ أو أ نّها تصبح ذا معنى عندي إذا كان بالإمكان تحقيقها بأيّ خبرة حسّية اخرى أيضاً؟
والافتراض الأوّل يعني أنّ القضية التي لا يمكن لي أن احقّقها بخبرتي الحسّية، ليس لها معنى بالنسبة لي. فإذا قلت مثلًا: «كان هناك اناس عاشوا وماتوا قبل ولادتي» كان قولي فارغاً من المعنى بالنسبة لي؛ لأنّ من المستحيل أن أتأكّد من صدقها بخبرتي الخاصّة، مع أ نّها قضية حقيقية وصادقة بدون شكّ.
والافتراض الثاني لا يؤدّي إلى تجريد هذا القول عن المعنى؛ لأنّ إنساناً آخر بإمكانه أن يحقّقه ويثبت بالخبرة الحسّية صدقه أو كذبه، ولكن خبرة الإنسان الآخر نفسها لا تدخل في نطاق خبرتي المباشرة، وإنّما هي مستدلّة استقرائياً بتطبيق نظرية الاحتمال، وفقاً للطريقة التي درسناها في البحث السابق. وهذا يعني: أنّ القضية يكفي، لكي تصبح ذات معنى عندي، أن يكون بإمكاني إثبات صدقها وكذبها ولو بصورة مستدلّة تعود في النهاية إلى خبرتي الخاصّة، بدلًا عن إثباتها بخبرتي المباشرة نفسها. وعلى هذا الأساس تصبح كلّ قضية بالإمكان تحقيقها ولو استدلالياً ذات معنى. فالسببيّة بمفهومها العقلي الذي يستبطن الضرورة واللزوم، وإن كنت لا أستطيع أن اثبت صدقها بالخبرة الحسّية المباشرة- لأنّها لا تدخل في نطاق الخبرة الحسّية- ولكنّي قد أستطيع أن اثبت صدقها بصورة مستدلّة وبطريقة استقرائية تعود في النهاية إلى خبرتي الخاصّة، كما تقدّم في الفصل السابق، ويكفي هذا لكي تكون ذات معنى.
ورابعاً: نتساءل من جديد: هل المقياس في القضية التي لها معنى: تحقيقها صدقاً أو كذباً بالفعل، أو إمكان تحقيقها.
والافتراض الأوّل يعني: أنّ كلّ قضية غير محقّقة فعلًا صدقاً أو كذباً ليس‏

564
نقد الموقف الثالث:

إنّ المقياس الذي يضعه الموقف الثالث إذ يوحّد بين معنى القضية وإمكان تحقيقها لا يمكن قبوله، للنقاط التالية:
أوّلًا: إنّه يتضمّن تناقضاً؛ لأنّ إمكان تحقيق القضية وإثبات صدقها وكذبها، يفترض بنفسه أنّ للجملة صدقاً وكذباً بالإمكان إثباته أحياناً، وليس بالإمكان إثباته أحياناً اخرى. فإمكان الإثبات صفة لاحقة للصدق والكذب، ومترتّبة منطقياً على أن يكون للقضية صدق وكذب، وبالتالي أن يكون لها معنى، إذ لا صدق ولا كذب بدون معنى. وهذا يعني: أنّ القضية لا يمكن أن تستمدّ معناها وصورتها في الذهن من إمكان إثبات صدقها وكذبها، ما دام هذا الإمكان يفترض مسبقاً معنى للقضية وصدقاً وكذباً.
وثانياً: أنّ هناك قضايا ليست ذات معنى فحسب، بل نعتقد عادة بصدقها، ورغم ذلك ليس من الممكن إثبات صدقها أو كذبها بالخبرة الحسّية، كالقضية القائلة: «إنّ خبرة الإنسان مهما امتدّت فسوف تظلّ هناك أشياء في الطبيعة لا تصل إليها الخبرة البشرية» أو «أنّ هناك أمطار قد وقعت ولم يرها إنسان». إنّ قضايا من هذا القبيل تعتبر عادة صحيحة وصادقة، رغم أنّ إثبات صدقها وتحقيقها بالخبرة الحسّية غير ممكن؛ لأنّها تتحدّث عن أشياء لا تقع في الخبرة، فلا يمكن اختبارها. ولا ينفع بهذا الصدد أن يفسّر إمكان التحقيق بالإمكان المنطقي، بدلًا عن الإمكان الفعلي؛ لأنّ استحالة التحقيق في هذه القضايا منطقية وليست فعلية أو مرحلية فحسب.
وثالثاً: نتساءل ما هذه الخبرة الحسّية التي يجب أن يكون بالإمكان تحقيق القضية بها، فهل يراد بذلك: أنّ القضية لكي تكون ذا معنى عندي يجب أن يكون‏

563

تحقيقها- أي التصديق بالقضية إيجاباً أو سلباً- هو الأساس لتكوين معناها واكتسابها القدرة على إعطائنا الصورة الذهنية المناسبة لها. ولمّا كانت الخبرة الحسّية هي المجال الوحيد الذي يقوم على أساسه التصديق والمعرفة، بحكم المذهب التجريبي، فإمكان تحقيق القضية في مجال الخبرة الحسّية- إذن- هو الأساس لمعناها، فكلّ قضية لا يمكن تحقيقها في مجال الخبرة الحسّية لا معنى لها.
وعلى أساس هذا الموقف يتحوّل عدد من القضايا التي كان لها معنى بحكم الموقفين السابقين، إلى جمل غير ذات معنى، فالقضية القائلة: «هناك أمطار سقطت في بعض بقاع الأرض لم يرها أحد» قضية ذات معنى على أساس الموقف الأوّل؛ لأنّ مفرداتها لها مدلولات مستمدّة من الخبرة الحسّية. وكذلك على أساس الموقف الثاني؛ لأنّ تصوّرنا للخبرة الحسّية يتأثّر بافترأض صدق القضية وكذبها، ولكنّها ليس لها معنى على أساس الموقف الثالث، إذ ليس بالإمكان تحقيق صدق تلك القضية في مجال الخبرة الحسّية؛ لأنّ أيّ مطر إذا اتيحت لنا رؤيته فسوف لن يكون مصداقاً لموضوع القضية. فالقضية إذن لا يمكن إثبات صدقها أو كذبها بالخبرة الحسّية، فلا يكون لها معنى على أساس الموقف الثالث.
هذه مواقف ثلاثة تجاه معنى القضية، والتمييز بين القضية الخاوية والقضية المحتوية على معنى. والموقف الأوّل منها ليس شيئاً جديداً، وإنّما يعبّر عن الاتجاه السائد في المذهب التجريبي منذ قال (دافيد هيوم): إنّ كلّ فكرة هي نسخة من انطباع حسّي.
فالمنطق الوضعي إذ يدعو إلى موقف جديد من معنى القضية، يجب أن يقصد أحد الموقفين الأخيرين: الثاني أو الثالث، ولنبدأ بالثالث: