وعلى عكس ذلك القضايا الرياضية والمنطقية، فإنّ الحقيقة الرياضية القائلة: «إنّ 2+ 2/ 4» صادقة على أيّ عالم نتصوّره، ولا يمكننا أن نتصوّر عالماً تنتج فيه عن مضاعفة الاثنين خمسة. ومعنى ذلك أنّ التعميم في القضية الرياضية يتخطّى حدود الكون المعاش، ويشمل كلّ ما يمكن أن يفترض من أكوان.
هذه فروق ثلاثة بين قضايا الرياضة والمنطق، وقضايا العلوم الطبيعية جعلت المذهب التجريبي في مشكلة؛ لأنّه مطالب بتفسيرها، مع أ نّه يعجز عن ذلك ما دام يؤمن بأنّ المصدر الأساس لكلّ تلك القضايا واحد، وأ نّها مستمدّة جميعاً من التجربة بطريقة واحدة.
وقد اضطرّ المذهب التجريبي لفترة من الزمن أن يتّخذ الموقف الثاني، فيعلن المساواة بين قضايا الرياضة والمنطق، وقضايا العلوم، وينزل بقضايا الرياضة والمنطق عن درجة اليقين، ويمنحها نفس الدرجة التي يعطيها لقضايا العلوم الطبيعية، وهي درجة احتمالية مهما كبرت. وبهذا تصبح الحقيقة القائلة:
«إنّ 1+ 1/ 2» قضية احتمالية في رأي التجريبيين، تحمل كلّ نقاط الضعف المنطقية التي تشتمل عليها الطريقة العلمية في الاستقراء، أي طريقة التعميم وتجاوز حدود التجربة.
وكان هذا الإعلان والقول من المذهب التجريبي من أكبر الأدلّة ضدّه، ومن الشواهد التي تدينه، وتثبت فشله في تفسير المعرفة البشرية. بينما لم يكن المذهب العقلي مضطرّاً إلى التورّط فيما وقع فيه المذهب التجريبي؛ لأنّ المنطق العقلي- نظراً إلى إيمانه بوجود معارف قبلية سابقة على التجربة- أمكنه أن يفسّر الفرق بين قضايا الرياضة والمنطق، وقضايا العلوم الطبيعية، بأنّ قضايا الرياضة والمنطق مستمدّة من معارف سابقة على التجربة، وقضايا الوجود في الطبيعة