الاسس المنطقية للاستقراء
553

وعلى عكس ذلك القضايا الرياضية والمنطقية، فإنّ الحقيقة الرياضية القائلة: «إنّ 2+ 2/ 4» صادقة على أيّ عالم نتصوّره، ولا يمكننا أن نتصوّر عالماً تنتج فيه عن مضاعفة الاثنين خمسة. ومعنى ذلك أنّ التعميم في القضية الرياضية يتخطّى حدود الكون المعاش، ويشمل كلّ ما يمكن أن يفترض من أكوان.
هذه فروق ثلاثة بين قضايا الرياضة والمنطق، وقضايا العلوم الطبيعية جعلت المذهب التجريبي في مشكلة؛ لأنّه مطالب بتفسيرها، مع أ نّه يعجز عن ذلك ما دام يؤمن بأنّ المصدر الأساس لكلّ تلك القضايا واحد، وأ نّها مستمدّة جميعاً من التجربة بطريقة واحدة.
وقد اضطرّ المذهب التجريبي لفترة من الزمن أن يتّخذ الموقف الثاني، فيعلن المساواة بين قضايا الرياضة والمنطق، وقضايا العلوم، وينزل بقضايا الرياضة والمنطق عن درجة اليقين، ويمنحها نفس الدرجة التي يعطيها لقضايا العلوم الطبيعية، وهي درجة احتمالية مهما كبرت. وبهذا تصبح الحقيقة القائلة:
«إنّ 1+ 1/ 2» قضية احتمالية في رأي التجريبيين، تحمل كلّ نقاط الضعف المنطقية التي تشتمل عليها الطريقة العلمية في الاستقراء، أي طريقة التعميم وتجاوز حدود التجربة.
وكان هذا الإعلان والقول من المذهب التجريبي من أكبر الأدلّة ضدّه، ومن الشواهد التي تدينه، وتثبت فشله في تفسير المعرفة البشرية. بينما لم يكن المذهب العقلي مضطرّاً إلى التورّط فيما وقع فيه المذهب التجريبي؛ لأنّ المنطق العقلي- نظراً إلى إيمانه بوجود معارف قبلية سابقة على التجربة- أمكنه أن يفسّر الفرق بين قضايا الرياضة والمنطق، وقضايا العلوم الطبيعية، بأنّ قضايا الرياضة والمنطق مستمدّة من معارف سابقة على التجربة، وقضايا الوجود في الطبيعة

552

المعادن أو غليان الماء بالحرارة، ونمارس عدداً أكبر من التجارب بهذا الصدد، نزداد تأكّداً من التعميم ووثوقاً به. وإذا وجدنا قطعة مغناطيسية واحدة تجذب الحديد لم يكفنا ذلك لكي نؤمن بأنّ كلّ مغناطيس يجذب الحديد، ما لم نكرّر التجربة ونستوعب عدداً أكبر من الأمثلة والنماذج.
ولكنّ الأمر بالنسبة إلى القضايا الرياضية والمنطقية يختلف اختلافاً كبيراً، فإنّ الإنسان في اللحظة التي يستطيع فيها أن يجمع خمسة كتب وخمسة كتب اخرى، ويعرف أنّ مجموعها عشرة، يمكنه أن يحكم بأنّ كلّ خمستين تساوي عشرة، سواء كانت الأشياء المعدودة كتباً أو أشياء اخرى، ولا يزداد اليقين بهذه الحقيقة ترسّخاً بتكرار الأمثلة وجمع النماذج العديدة.
وبتعبير آخر: إنّ اليقين بهذه الحقيقة الرياضية يصل منذ اللحظة الاولى من إدراكها إلى درجة كبيرة لا يمكن أن يتجاوزها، بينما نجد اعتقادنا بالقضايا الطبيعية يزداد باستمرار كلّما تظافرت التجارب وأكّدت باستمرار صدق القضية وموضوعيّتها.
3- إنّ قضايا العلوم الطبيعية، وإن كانت تستبطن تعميماً وتجاوزاً عن حدود التجربة، ولكنّ هذا التجاوز المستبطن لا يتعدّى حدود عالم التجربة وإن تعدّى نطاقها الخاصّ. فنحن حين نقرّر أنّ الماء يغلي لدى درجة معيّنة من الحرارة، نتجاوز المياه التي وقعت في نطاق تجاربنا الخاصّة إلى سائر المياه في هذا الكون. ولكنّنا إذا اجتزنا عالم التجربة، وتصوّرنا عالماً آخر غير هذا العالم الذي نعيش فيه، فمن الممكن أن نتصوّر الماء في ذلك العالم وهو لا يغلي عند تلك الدرجة المعيّنة من الحرارة، ولا نجد مسوّغاً لتعميم القضية القائلة بأنّ الماء يغلي عند درجة معيّنة على ذلك العالم الآخر. وهذا يعني أنّ التعميم في تلك القضية إنّما كان في حدود العالم الخارجي الذي وقعت التجربة فيه.

551

بامتيازها الخاصّ ويقينها الذي تتميّز به عن قضايا العلوم الطبيعية، ما لم يسلّم بأ نّها ليست استقرائية، ويعترف بأ نّها قضايا عقلية قبلية.
وأمّا الموقف الثاني: فالمشكلة فيه تبدأ من إدراك الفرق بين قضايا الرياضة والمنطق، وقضايا العلوم الطبيعية، بصورة لا تسمح باتخاذ هذا الموقف.

الفروق بين قضايا العلوم الطبيعية وقضايا الرياضة والمنطق:

ويمكن تلخيص الفرق بين قضايا الرياضة والمنطق، وقضايا العلوم الطبيعية في النواحي الآتية:
1- إنّ قضايا الرياضة والمنطق تبدو يقينية، بدرجة لا يمكن أن نتصوّر إمكان الشكّ فيها، على عكس قضايا العلوم الطبيعية. فهناك فرق كبير بين «1+ 1/ 2» أو «أنّ المثلّث له ثلاث أضلاع» أو «أنّ اثنين نصف الأربعة»، وبين قضايا العلوم الطبيعية، نظير «إنّ المغناطيس يجذب الحديد» و «المعدن يتمدّد بالحرارة» و «الماء يغلي إذا صار حارّاً بدرجة مائة» و «كلّ إنسان يموت». فإنّ القضايا الاولى لا نتصوّر إمكانية الشكّ فيها بحال، بينما يمكن أن نشكّ في القضايا الطبيعية من النوع الثاني، مهما كنّا متأكّدين من صدقها.
فلو أنّ عدداً كبيراً من الناس، الموثوق بفهمهم وإدراكهم للتجارب العلمية، أخبرونا بوجود نوع من الماء لا يغلي بالحرارة، أو أنّ بعض المعادن لا تتمدّد بالحرارة، لتوقّف إيماننا بالقضية العامّة. بينما لا نستطيع أن نتصوّر الشكّ في الحقيقة الرياضية القائلة: «إنّ الاثنين نصف الأربعة» ولو أخبرنا أكبر عدد ممكن من الناس بأنّ الاثنين أحياناً يكون ثلث الأربعة!
2- إنّ تكرار الأمثلة والتجارب لا أثر له بالنسبة إلى القضية الرياضية، بينما يلعب دوراً إيجابياً كبيراً في القضايا الطبيعية. فنحن كلّما نجد أمثلة أكثر لتمدّد

550

المعرفة- إلى القول بأنّ تلك البديهيات التي تحتاجها نظرية الاحتمال، مستمدّة من التجربة أيضاً، ما دامت التجربة في رأيه هي المصدر الوحيد للمعرفة (أو- على الأقلّ- إلى القول بأنّ غير ما كان منها ذا طابع رياضي بحت مستمدّ من التجربة)، وبذلك نفقد أيّ أساس لتنمية الاحتمالات الاستقرائية؛ لأنّ بديهيات الاحتمال تصبح- على هذا الافتراض- بنفسها احتمالات بحاجة إلى أساس لتنميتها. وهكذا نجد أنّ المذهب التجريبي لا يمكنه أن يفسّر الحدّ الأدنى من التصديق الذي تحظى به القضية العلمية.

2- قضايا الرياضة والمنطق:

وأمّا قضايا الرياضة والمنطق، فقد كانت باستمرار تضع المذهب التجريبي أمام مشكلة، وهي: تفسير اليقين المعترف به عادة للقضايا الرياضية والمنطقية، وتبرير الفرق بينها وبين قضايا المعرفة في العلوم الطبيعية، فإنّ الرأي السائد: أنّ القضية المنطقية والرياضية تتمتّع باليقين، فإذا كانت المعرفة كلّها تقوم على أساس التجربة والاستقراء، فهذا يعني: أنّ القضية الرياضية القائلة: «2+ 2/ 4» أو «أنّ الخطّ المستقيم أقصر مسافة بين نقطتين» استقرائية، وإذا كانت استقرائية فسوف تصبح على مستوى قضايا العلوم الطبيعية، ويزول أيّ فرق بين قضايا المنطق والرياضة، وقضايا العلوم الطبيعية. ومن أجل ذلك يجد المذهب التجريبي نفسه مضطرّاً إلى اختيار أحد الموقفين التاليين: فإمّا أن يحتفظ لقضايا المنطق والرياضة بامتيازها الخاصّ على قضايا العلوم الطبيعية، وإمّا أن يسلّم بعدم وجود أيّ امتياز بينهما.
وكلا الموقفين محرج بالنسبة إلى المذهب التجريبي:
أمّا الموقف الأوّل: فلأ نّه لا يمكنه أن يحتفظ لقضايا المنطق والرياضة

549
1- قضايا العلوم الطبيعية:

إنّ قضايا العلوم الطبيعية تحظى لدى العقليين بدرجة من التصديق عالية، تبلغ في بعض الأحيان إلى اليقين، بينما ينكر التجريبيون اليقين بالقضية العلمية القائمة على أساس الاستقراء؛ لأنّها تحتوي تعميماً يتجاوز نطاق الخبرة الحسّية المباشرة، ولكنّهم- على الأغلب- يؤمنون بأ نّها تحظى بدرجة احتمالية عالية من التصديق على أساس الشواهد الاستقرائية، والتجارب الناجحة التي تؤيّد التعميم، وأنّ هذه الدرجة تنمو وتكبر باستمرار كلّما ازدادت الشواهد المؤيّدة في مجال التجربة والاستقراء. وهذا يعني أنّ الحدّ الأدنى من درجات التصديق لقضايا العلوم الطبيعية المتّفق عليه عادة، هو درجة احتمالية عالية، متزايدة باستمرار كلّما ازدادت الشواهد الاستقرائية.
وهنا نتساءل: أيّ المذهبين: العقلي أو التجريبي أقدر على تفسير هذا الحدّ الأدنى من درجات التصديق وتبريره؟
ويمكننا الجواب على ذلك في ضوء الفصل السابق من هذا الكتاب، فقد عرفنا أنّ هذه الدرجة من التصديق لا يمكن أن تفسّر إلّاعلى أساس نظرية الاحتمال وتطبيقها في المجال الاستقرائي، وللنظرية بديهياتها التي تتوقّف عليها.
وهذه البديهيات بعضها ذو طابع رياضي بحت وبعضها غير رياضي، وما لم يسلّم بتلك البديهيات لا يتاح تطبيق نظرية الاحتمال لتنمية احتمال القضية العلمية.
فمن الضروري- إذن- أن يفرض أنّ تلك البديهيات قضايا قبلية ثابتة بصورة مستقلّة عن الاستقراء، وهذا ينسجم مع المذهب العقلي، ولكنّه لا يتّفق مع المذهب التجريبي.
فالمذهب التجريبي مضطرّ- بحكم فرضيّته التي يتبنّاها عن مصدر

548

على أساس الرأي الثاني.
وكانت أهمّ نتيجة ترتّبت على المذهب التجريبي هي القول: بأنّ بدايات المعرفة البشرية كلّها جزئية؛ لأنّ الخبرة الحسّية هي التي تشكّل بداية المعرفة.
والخبرة الحسّية لا تتّصل مباشرة إلّابحالة أو بعدد من الحالات الجزئية، وهذا يعني: أنّ أيّ قضية كلّية تتجاوز نطاق تلك الحالات التي دخلت في خبرتنا مباشرة، لا مبرّر لليقين بها ما دامت تتجاوز نطاق الخبرة الحسّية المباشرة.
وعلى عكس ذلك المذهب العقلي الذي يؤمن بمعارف قبلية، فإنّ بإمكانه أن يفترض اليقين بالقضية الكلّية، وتفسير ذلك على أساس المعارف القبلية.
وحينما ندرس المذهب العقلي والمذهب التجريبي، ونقارن بينهما، يجب أن نتّخذ مقياساً نقيّم في ضوئه هذين المذهبين. وهذا المقياس يتكوّن من الحدّ الأدنى المعترف به عموماً من درجات التصديق بقضايا العلوم الطبيعية وقضايا المنطق والرياضة. فهناك حدّ أدنى من درجات التصديق بهذه القضايا متّفق عليه- عادةً- بين العقليين والتجريبيين، فأيّ مذهب لا يستطيع أن يبرّر ذلك الحدّ الأدنى يتوجّب رفضه، وأيّ اتجاه ينسجم مع ذلك الحدّ الأدنى من التصديق- على الأقلّ- فهو اتجاه معقول في تفسير المعرفة البشرية.
وعلى أساس هذا المقياس سوف نقارن بين المذهبين:
أوّلًا: في ضوء الحدّ الأدنى من درجات التصديق المتّفق عليها لقضايا العلوم الطبيعية.
وثانياً: في ضوء الحدّ الأدنى من درجات التصديق المتّفق عليها لقضايا المنطق والرياضة.

547

هل توجد معرفة عقليّة قبليّة؟
أشرنا مراراً فيما تقدّم إلى الخلاف الأساس بين المذهب العقلي والمذهب التجريبي حول مصدر المعرفة وأساسها، ويمكننا أن نعتبر هذا من أهمّ الخلافات الفلسفية التي عالجها الفكر البشري على مرّ العصور، فقد انقسم المفكّرون إزاء هذه المشكلة إلى قسمين:
القسم الأوّل: آمن بأنّ المعرفة البشرية ذات أساس عقلي، وفيها جانب قبلي يتوصّل إليه الإنسان بصورة مستقلّة عن الخبرة الحسّية والتجربة.
والقسم الثاني: آمن بأنّ التجربة هي الأساس العامّ الوحيد الذي يموّن الإنسان بكلّ ألوان المعرفة التي يزخر بها الفكر البشري، ولا توجد لدى الإنسان أيّ معارف قبلية بصورة مستقلّة عن التجربة، وحتّى ما يبدو في أعلى درجات التأصّل في النفس البشرية من قضايا الرياضة والمنطق نظير 1+ 1/ 2، يرجع- في التحليل- إلى التجربة التي عاشها الإنسان على مرّ الزمن.
فالإنسان حينما يمارس التجارب الحياتية والعملية، ويحاول تفسيرها، ليس أعزل على الرأي الأوّل، بل هو مسلّح بتلك المعارف القبلية التي تكوّن الرصيد الأساس للمعرفة، وتقوم بدور المصباح الذي ينير للتجربة طريقها، ويوحي للإنسان بتفسير ما يمارسه من تجارب.
وأمّا على الرأي الثاني فالإنسان أعزل تماماً لا يملك شيئاً سوى بصيص النور الذي يجده في تجاربه، فلا بدّ له أن يفسّر تجربته على أساس هذا النور، دون أن يستمدّ في موقفه ضوءاً من أيّ معرفة قبلية.
وقد قام المذهب العقلي على أساس الرأي الأوّل، وقام المذهب التجريبي‏

546

يستبعد فيها الممارس غفلته عن أيّ مغالطة أو خطأ قد يندسّ في إحدى مراحل الاستدلال.
وأمّا من الزاوية الثانية، فبالإمكان أن يقيّم ذلك الاستنباط على أساس استقرائي، بأن تلاحظ نسبة الأخطاء التي وقع فيها الممارس إلى مجموع ممارساته فيما مضى، وتحدّد على أساس هذه النسبة درجة احتمال وقوع الخطأ في ذلك الاستنباط الذي يحاول تقييمه. وهذا التحديد استقرائي؛ لأنّ تلك النسبة لوحظت من خلال استقراء الممارسات السابقة، واستخدمت كدليل استقرائي على أنّ وقوع الخطأ بتلك النسبة ليس صدفة، وإنّما يعبّر عن نسبة عوامل الخطأ إلى عوامل الإصابة، وبذلك تحدّد درجة احتمال الخطأ أو احتمال الإصابة على أساس تلك النسبة.
ولكي نحصل على تلك النسبة يجب أن تفترض مسبقاً قناعات شخصية غير استقرائية، من نوع تلك القناعة التي تحدّثنا عنها من الزاوية الاولى. أي أ نّنا حينما نلاحظ الممارسات السابقة ونتعرّف على درجة وقوع الخطأ فيها، يجب أن نفحص تلك الممارسات فحصاً مباشراً، ونحصل على اقتناعات شخصية بصواب بعضها وخطأ البعض الآخر، لنصل من ذلك إلى نسبة الخطأ إلى الصواب في تلك الممارسات، ثمّ نعمّم تلك النسبة- وفقاً لمناهج الاستدلال الاستقرائي- على الممارسات التالية، فتحدّد قيمة احتمال الصواب في أيّ ممارسة تالية على أساس تلك النسبة.

545

لاحظناها- بتلك المساواة، ينشأ علم إجمالي يستوعب احتمالات وجود (ت) وعدمه في كلّ تلك الحالات، وتتجمّع نتيجة لهذا العلم قيم احتمالية كبيرة في محور واحد، وهو محور الفرضية الاولى؛ لأنّ كلّ الاحتمالات الممكنة بشأن (ت) تقريباً تتضمّن افتراض عدمه ولو في حالة واحدة على الأقلّ، وهذا يكفي لإثبات التلازم، وتكون القيمة المستمدّة عن هذا العلم لاحتمال التلازم حاكمة على قيمة الاحتمال القبلي، كما رأينا في التطبيق الأوّل للدليل الاستقرائي على سببية (أ) ل (ب).
وأمّا سلامة الطريقة التي يتمّ بموجبها استنتاج القضية النظرية، حينما يراد استنباطها من قضايا قبلية بمناهج الاستنباط: فتارة ينظر إلى هذه السلامة من زاوية الممارس لاستنباط القضية النظرية عند ممارسته فعلًا للاستدلال وتنسيقه للمقدّمات. واخرى ينظر إليها من زاوية شخص يريد أن يقيم ذلك الاستنباط، دون أن يعيش مراحله ويستوعب مقدّماته، وقد يكون هذا الشخص هو نفس الممارس في زمن متأخّر حينما يريد أن يقيّم استنباطه السابق.
أمّا من الزاوية الاولى، فهناك قناعة تحصل لدى الممارس للاستنباط عند ممارسته بأ نّه على صواب في اختيار المقدّمات المناسبة، واجتياز المراحل المتتالية في عملية الاستنباط، بمعنى أ نّه يتأكّد- عادة- بأنّ الاستنتاج سليم، وأنّ النتيجة تلزم من المقدّمات التي مهّدها لاستنباط تلك النتيجة منها، وأ نّه لم يُغفل شيئاً من المقدّمات التي يجب أن تساهم في استنباط النتيجة. وإذا كان الاستنباط يمرّ بمراحل حتّى يصل إلى إثبات القضية النظرية المطلوبة، فلا بدّ للممارس أن يتأ كّد من سلامة المراحل جميعاً، ويقتنع بأ نّه على صواب في انتقاله من كلّ مرحلة إلى المرحلة التالية.
وهذه القناعة لا تقوم على أساس الاستقراء، وإنّما هي قناعة مباشرة