الاسس المنطقية للاستقراء
535

يعني: أنّ من المحتمل أن يولد إدراكاً حسّياً مماثلًا لإدراك حسّي سابق، عند مواجهة واقع موضوعي مختلف عن الواقع الموضوعي الذي أثار الإدراك الحسّي السابق ضمن الشروط السابقة، كما أنّ من المحتمل أن يولد إدراكاً حسّياً مختلفاً عن الإدراك السابق عند مواجهة واقع موضوعي مماثل للواقع الموضوعي الذي أثار الإدراك السابق.
فلكي نثبت التماثل بين الواقعين الموضوعيين لإدراكين حسّيين، يجب أن نحصل على قيمة احتمالية كبيرة تنفي التغيّر وحدوث عوامل جديدة في البناء الداخلي لجهاز الإدراك.
وإثبات التماثل بالاستقراء يشكّل شرطاً أساسياً لإثبات استقرائي آخر، وهو إثبات سببية (أ) ل (ب)، بوصفها علاقة بين مفهومين مستنتجة بطريقة استقرائية، وعلى أساس العلم الإجمالي البعدي من اقتران الألفات والباءات في التجارب الناجحة. فنحن لكي نثبت هذه العلاقة بين المفهومين عن هذا الطريق، يجب أن نكتشف انتماء كلّ الألفات إلى مفهوم واحد، وكلّ الباءات إلى مفهوم واحد، ليتاح لنا أن نتعامل مع فئة الألفات وفئة الباءات المقترنتين في التجارب الناجحة- بوصفهما معبّرتين عن مفهومين-، وعندئذٍ نستخدم العلم الإجمالي البعدي لتنمية احتمال علاقة السببيّة بين هذين المفهومين.

تلخيص:

وإلى هنا انتهينا من دراسة أربعة أصناف من القضايا اليقينية الستّ، وخرجنا بنتيجة محدّدة، وهي: أنّ القضايا التجريبية والحدسية والمتواترة والمحسوسة، كلّها قضايا استقرائية تقوم على أساس تراكم القيم الاحتمالية في محور واحد، وفقاً للمرحلتين اللتين حدّدناهما للدليل الاستقرائي.

534

يحدّدها العلم القبلي، تطبيقاً لبديهية الحكومة.

الاعتقاد بالتماثل بين الأشياء:

إنّنا نعتقد بالتماثل بين الأشياء التي نراها متماثلة، ووجود قاسم مشترك بينها يبرّر أن نعبّر عنها ب «فئة الألفات» أو «فئة الباءات». وهذا الاعتقاد يقوم على أساس استقرائي، وذلك لأنّنا في التطبيق السابق للدليل الاستقرائي أثبتنا أنّ الواقع الموضوعي للصورة المحسوسة يشابهها في كثير من الخصائص، فإذا كانت الصورة المحسوسة لأشياء متعدّدة متماثلة، استنتجنا من ذلك: التماثل بين تلك الأشياء. فالتماثل بين الصور المحسوسة نفسها نتعرّف عليه مباشرة، والتماثل بين الأشياء المثيرة لتلك الصور مستدلّ استقرائيّاً بالتماثل بين الصور نفسها، ما دمنا قد عرفنا أنّ كلّ صورة محسوسة تشابه الشي‏ء الذي أثارها في الواقع الموضوعي.
ولكنّ الاعتقاد بالتماثل بين الواقع والصورة لا يكفي وحده لكي نستكشف التماثل بين الأشياء عن طريق التماثل بين الصور؛ لأنّ هذا الاستكشاف بحاجة إلى افتراض أنّ الجهاز الحسّي للإدراك لم يطرأ عليه تغيير، وذلك لأنّ تحديد الصورة المحسوسة وتعيين معالمها نتيجة عاملين: أحدهما الواقع الموضوعي، والآخر الشروط الداخلية الفيزيائية والفسيولوجية والسيكولوجية للإدراك الحسّي.
فالجهاز الحسّي للإدراك إذا لم يطرأ على شروطه الداخلية أيّ تغيير، فسوف يحصل على صورة مماثلة للصورة السابقة، متى واجه واقعاً موضوعياً مماثلًا للواقع الموضوعي السابق. وأمّا إذا اختلفت الشروط الداخلية لجهاز الإدراك، فمن الممكن أن تختلف طريقته في توليد الإدراكات الحسيّة. وهذا

533

لو كانت رؤيتنا موضوعية، وإنّما نعلم بالشكل الذي نراه فيها، ولكن قد افترضنا أنّ رؤيتنا غير موضوعية بطبيعتها.
وهكذا نستخلص أنّ المعلوم بالعلم الإجمالي القبلي كلّي مقيّد بقضية شرطية، وهذا الكلّي المقيّد ينحصر مصداقه بالمستدير إذا كان الشرط في تلك القضية الشرطية ثابتاً، وأمّا إذا كان الشرط غير صحيح في الواقع فسوف يحتمل أن يكون أيّ شكل هندسي مصداقاً له.
ويترتّب على ذلك أنّ أيّ قيمة احتمالية تثبت الشرط في تلك القضية الشرطية، تصبح مثبتة- بنفس الدرجة- لكون المستدير هو المصداق الوحيد للكلّي المعلوم بالعلم الإجمالي القبلي، ونافية مصداقية الأشكال الهندسية الاخرى له.
وهذه القيمة الاحتمالية نجدها في الاستقراء الذي نثبت به- تطبيقاً للطريقة العامّة- أنّ رؤيتنا موضوعية؛ لأنّنا نلاحظ اقتران الرؤية في عدد كبير من الحالات بمواجهة شي‏ء، واقتران زوالها بزوال المواجهة. فبتطبيق الطريقة العامّة للدليل الاستقرائي نثبت بقيمة احتمالية كبيرة، أنّ الرؤية موضوعية، وبالتالي أنّ المستدير هو المصداق الوحيد للكلّي المقيّد المعلوم بالعلم الإجمالي القبلي.
وهذه القيمة إذ تثبت كون الشي‏ء الذي أراه مستديراً، مستديراً حقّاً، تكون في نفس الوقت حاكمة على القيمة الاحتمالية النافية لذلك المستمدّة من العلم الإجمالي القبلي، تطبيقاً لبديهية الحكومة، حيث تتوفّر في هذه الحالة الفرضية الثانية من الفرضيّتين اللتين تفيان ببديهية الحكومة؛ لأنّ المعلوم بالعلم الإجمالي الأوّل كلّي مقيّد بقيد، وهذا الكلّي هناك جامع بين أشكال كلّ واحد منها يحتمل أن يكون مصداقاً له. فإذا وجدت قيمة احتمالية تنمي احتمال مصداقية أحدهما، وتخفض قيمة احتمال مصداقية الباقي، كانت حاكمة على القيمة الاحتمالية التي‏

532

ونستنتج من ذلك أنّ عيني إذا كانت- ضمن الشروط العامّة للرؤية- ترى كلّ ما يواجهها، ولا ترى شيئاً لا يواجهها، فسوف يكون الشكل المرئي لي هو نفس الشكل الواقعي للشي‏ء؛ لأنّ اختلاف الشكلين يعني- كما رأينا-: أنّ عيني لا ترى كلّ ما تواجهه، أو ترى ما لا تواجهه. فهذه قضية شرطية نعلم بصدقها سواء كان الشرط فيها ثابتاً أم لا.
ويمكننا أن نعبّر عنها بالصيغة التالية: إذا كانت رؤيتي موضوعية بطبيعتها، فإنّ الشكل الهندسي الذي يبدو للشي‏ء في عيني هو شكله الواقعي، على أن نقصد بالرؤية الموضوعية: أنّ عيني ترى- ضمن الشروط العامّة للرؤية- كلّ ما تواجهه، ولا ترى شيئاً لا تواجهه.
وهذه القضية الشرطية يمكن أن تعتبر قيداً في المعلوم بالعلم الإجمالي القبلي، أي أ نّنا حينما نعلم علماً إجمالياً قبلياً بوجود شكل هندسي للورقة- أي بكلّي غير محدّد للشكل الهندسي-، نعلم في نفس الوقت بأ نّه هو الشكل الذي نراه إذا كانت رؤيتنا موضوعية، وعندما نرى الورقة مستديرة نلاحظ: أنّ الشرط في تلك القضية الشرطية التي تقيّد بها المعلوم- وهي أن تكون رؤيتنا موضوعية- إذا كان ثابتاً، فالمستدير هو المصداق الوحيد لذلك الكلّي الذي تعلّق به العلم الإجمالي القبلي، إذ على افتراض أن تكون رؤيتنا موضوعية، لا يصدق على المربّع أ نّه شكل لو كانت رؤيتنا موضوعية لرأيناه، لأنّا لم نرَ مربّعاً بالفعل، وقد افترضنا أنّ رؤيتنا موضوعية.
فالشكل الذي نراه، إذا كانت رؤيتنا موضوعية، ينحصر مصداقه بالمستدير إذا كان الشرط ثابتاً حقّاً، وأمّا إذا لم يكن الشرط ثابتاً- أي لم تكن رؤيتنا موضوعية بطبيعتها- فسوف يكون أيّ شكل هندسي من المحتمل أن يكون مصداقاً للكلّي المعلوم بالعلم القبلي؛ لأنّنا لا نعلم ما هو الشكل الذي كنّا سنراه‏

531

الدرجة كلّما اخذ بعين الاعتبار ما يكشفه العلم من الجوانب الذاتية لعملية الإدراك الحسّي. ولكن يبدو أنّ هناك درجة من التشابه بين الصورة المحسوسة والواقع الموضوعي لا يمكن التنازل عن الاعتقاد بها، ففيما نراه من أجسام بشكل دائري- مثلًا- لا نحتمل عادة أنّ الشكل الهندسي الواقعي لتلك الأجسام هو التربيع بدلًا عن الاستدارة، رغم أ نّا لا نملك أيّ مبرّر قبلي- أي قبل الحسّ والتجربة- للتأكيد على أنّ كلّ واقع موضوعي لا بدّ أن يثير صورة محسوسة لها نفس الخصائص الهندسية التي يتمتّع بها ذلك الواقع، إذ لا يوجد أيّ تناقض منطقي في افتراض أنّ المربّع يثير في إدراكنا الحسّي صورة لها شكل دائري.
فالاعتقاد باحتفاظ الصورة المحسوسة بالخصائص الهندسية للواقع الموضوعي المثير لها اعتقاد استقرائي، وهذا يعني أنّ القضية القائلة: «إنّ ما نراه مستديراً ليس مربّعاً في الواقع الخارجي، بل هو مستدير حقّاً أو قريب من الاستدارة» قضية استقرائية مستدلّة.
ويمكننا أن نأخذ هذه القضية كمثال لتوضيح الأساس الاستقرائي، وطريقة الاستدلال عليها استقرائياً:
إنّ افتراض أنّ الواقع الموضوعي للصورة المحسوسة المستديرة مربّع يعني أحد أمرين: إمّا أ نّا لا نرى جزءاً ممّا نواجهه، وإمّا أ نّا نرى شيئاً لا نواجهه. لأنّنا حينما نرى ورقة مستديرة، ونفترض أ نّها مربّعة في الواقع، فإن كان هذا المربّع هو المربّع الذي يمكن أن يرسم في داخل الدائرة التي نراها، فهذا يتضمّن أنّ الامتداد الذي تمثّله الصورة المحسوسة لنا أكبر من واقع الورقة. وإن كان هذا المربّع أكبر من المربّعات التي يمكن أن ترسم داخل الدائرة التي نراها- كما إذا كانت الورقة بحجم المربّع الذي يمكن أن ترسم تلك الدائرة داخله- فهذا يتضمّن أنّ جزءاً من امتداد المربّع لا نراه.

530

في عدد كبير من الحالات.
وكما نعتقد على أساس استقرائي بالدور الإيجابي لتلك الشروط المعيّنة التي اقترنت بإدراكنا الحسّي، كذلك نعتقد على أساس استقرائي بالموقف السلبي لغيرها، بمعنى أنّ الاستقراء يثبت لنا أنّ أشياء اخرى لا تأثير لها في عملية الإدراك الحسّي. فمثلًا: نحن نعتقد بأنّ حادثة من قبيل لمس إنسان لجسم ما، لا تحول دون رؤيتنا له بعد ذلك عند توفّر الشروط اللازمة، وهذا الاعتقاد استقرائي مستدلّ ينتج عن طريق حصول هذه الرؤية في حالات كثيرة وقعت فيها تلك الحادثة ولم تحل دون رؤيتنا.

الاعتقاد بالتشابه بين المحسوس والواقع:

إنّنا نعتقد عادة بوجود تشابه- بدرجةٍ ما- بين الصورة المحسوسة التي ندركها، والواقع الموضوعي لها الذي أثبتناه في التطبيقات السابقة.
وهذا الاعتقاد استقرائي مستدلّ، وليس علماً أوّلياً مباشراً؛ لأنّنا في إدراكنا الحسّي لا نواجه الواقع الموضوعي مباشرة، وإنّما نواجه الصورة المحسوسة. فإذا رأينا مثلًا قطعة من الخشب على شكل مربّع، فنحن نواجه في الحقيقة صورة محسوسة موجودة في جهازنا الحسّي تتّصف بالتربيع، ولهذه الصورة واقع موضوعي هو الذي سبّب إثارة تلك الصورة.
ورغم الثنائية بين الصورة المحسوسة والواقع الموضوعي، نتّجه إلى الاعتقاد بأنّ صفة التربيع التي نلاحظها في الصورة المحسوسة ثابتة في الواقع الموضوعي لتلك الصورة المحسوسة.
ولا شكّ في أنّ الإنسان الاعتيادي يذهب إلى الاعتقاد بدرجة كبيرة من التطابق والتشابه بين الصورة المحسوسة والواقع الموضوعي، بينما تتناقص هذه‏

529

أيضاً. فحينما يقترن الواقع الموضوعي في تجربتنا ضمن شروط خاصّة- من المواجهة بطريقة معيّنة، وعدم وجود حائل، وتوفّر حدّ أدنى من النور بالنسبة إلى الإدراك البصري، وغير ذلك- بصورة محسوسة، ويطرد هذا الاقتران، نستنتج منه بمناهج الدليل الاستقرائي: أنّ هذا الاقتران ليس صدفة، بل هو نتيجة لعلاقة السببيّة بين الواقع الموضوعي ضمن تلك الشروط الخاصّة والصورة المحسوسة.
فإذا اتّفق أ نّا لم نحصل في حالة على صورة محسوسة لشي‏ء، أمكننا أن نستدلّ بذلك على عدم وجود ذلك الشي‏ء- على أساس تلك السببيّة المستنتجة استقرائياً-، فإنّ عدم وجود المسبّب يدلّ دائماً على عدم وجود سببه، فأنت حينما تؤكّد: أ نّك جالس في مكتبك بمفردك، ولا يوجد معك أحد من أصدقائك، تقرّر بذلك قضية مستدلّة استقرائياً بالطريقة التي أوضحناها.
وكما أنّ سببية الواقع الموضوعي في ظلّ شروط معيّنة لإيجاد الصورة المحسوسة، قضية استقرائية، كذلك الدور الإيجابي الذي تلعبه تلك الشروط، وبالتالي عدم إمكان الحصول على صورة محسوسة عند فقدها، فإنّ كلّ ذلك ممّا تصل إليه بالاستدلال الاستقرائي. فإنّنا حينما نلاحظ في تجربتنا: أنّ إدراكنا الحسّي البصري لشي‏ء يتلاشى ويتوقّف في اللحظة التي تبرز في إدراكنا الحسّي صورة محسوسة لشي‏ء آخر يبدو في إدراكنا أ نّه أقرب إلينا من الشي‏ء الذي كنّا نراه قبل لحظة، نستنتج من ذلك بمناهج الاستدلال الاستقرائي: أ نّا كلّما حصلنا على إحساس بصري بشي‏ء يبدو أكثر قرباً إلينا، نفقد إحساسنا بالشي‏ء السابق ضمن شروط معيّنة، من قبيل أن لا يكون الشي‏ء الذي يبدو أقرب جسماً شفّافاً كالزجاج.
وهكذا نعرف: أنّ اعتقادنا بأ نّا سوف لا نرى كفّ الشخص الذي نواجهه إذا وضعها خلفه، اعتقاد استقرائي مستنتج من اقتران انقطاع الرؤية بوجود الحائل‏

528

وهذه المعرفة تجميع لقيم التصديقات المتعدّدة بالواقع الموضوعي للقضايا المحسوسة، إذ يكفي في وجود الواقع الموضوعي للعالم أن تكون بعض القضايا المحسوسة على الأقلّ ذات واقع موضوعي. ومن أجل ذلك كان التصديق بواقع موضوعي للعالم أكبر درجة من التصديق بموضوعية أيّ قضية محسوسة؛ لأنّ الاستقراءات التي تدعم موضوعية القضايا المحسوسة كلّها تثبت موضوعية العالم.
وفي هذا الضوء يمكننا أن نردّ على المثالية التي تنكر وجود أيّ مبرّر للاعتقاد بالواقع الموضوعي للعالم، فقد عرفنا أنّ الاعتقاد بذلك يستمدّ مبرّره من الدليل الاستقرائي.
كما نردّ أيضاً على بعض المناقشين للمثالية الذين ادّعوا أنّ القضية القائلة بوجود واقع موضوعي للعالم قضية أوّلية بديهية يصدّق بها الإنسان تصديقاً مباشراً.
وردّنا على هؤلاء: أنّ هذه القضية لا تعني إلّاأنّ بعض القضايا المحسوسة على الأقلّ صادقة، فقيمتها مستمدّة من جمع قيم هذه القضايا المحسوسة، وهذا هو الذي يفسّر لنا أ نّها أكثر وضوحاً من أيّ قضية محسوسة بمفردها.

الاعتقاد الاستقرائي بشروط الإحساس:

إنّ اعتقادنا الاستقرائي بالواقع الموضوعي للقضية المحسوسة يعني:
الاعتقاد على العموم بأ نّا كلّما حصلنا على صورة محسوسة، وتوافرت قرائن معيّنة على موضوعيّتها، فهناك واقع موضوعي من ورائها.
وإلى جانب ذلك يوجد لدينا اعتقاد آخر بأ نّا كلّما واجهنا واقعاً موضوعياً حصلنا على صورة محسوسة له ضمن شروط معيّنة، وهذا الاعتقاد استقرائي‏

527

2/ 1- إذ ليس له إلّابديل واحد-، فسوف يكون احتمال رؤية نفس المشهد في اللحظة الثانية على تقدير الموضوعية 2/ 1، وهذا أكبر كثيراً من احتمال رؤية مشهد مماثل تماماً على تقدير افتراض الذاتية؛ لأنّ اقتضاء ذاتي في اللحظة الثانية لإيجاد مشهد مماثل، هو محتمل واحد من آلاف المحتملات الممكنة في تحديد نوع اقتضاء ذاتي في اللحظة الثانية، بما فيها أن لا تكون ذاتي مقتضية في اللحظة الثانية لشي‏ء على الإطلاق.
ويجب أن يلاحظ بهذا الصدد: أ نّا افترضنا: أنّ اقتضاء الحالة الجسمية- على تقدير افتراض الموضوعية- للبقاء يساوي البقاء فعلًا، وهذا يعني: استبعاد افتراض وجود موانع تمنع عن وجود المشهد في اللحظة الثانية، بنحو يطابق وجوده في اللحظة الاولى رغم اقتضاء الحالة الجسمية لذلك. وهذه الموانع وإن كانت محتملة فعلًا، ولكنّها حيث أ نّها محتملة بصورة متساوية على تقديري الذاتية والموضوعية، فلم ندخلها في الحساب، إذ لا أثر لها في تحديد نسبة القيمتين إحداهما إلى الاخرى- أي قيمة احتمال المشهد المماثل على تقدير الذاتية، وقيمة احتمال بقاء نفس المشهد في اللحظة الثانية على تقدير الموضوعية-.

معرفتنا بالواقع الموضوعي للعالم استقرائية:

وفي ضوء ما تقدّم نعرف: أنّ اعتقادنا بوجود الواقع الموضوعي للعالم يعبّر عن معرفة استقرائية؛ لأنّ كلمة «الواقع الموضوعي للعالم» تعني: أنّ لدينا قضايا محسوسة لها واقع موضوعي مستقلّ عن إدراكنا وتصوّرنا. وقد عرفنا قبل لحظات أنّ التصديق بالواقع الموضوعي للقضية المحسوسة- أيّ قضية محسوسة- مستدلّ استقرائياً، وهذا يعني: أنّ التصديق بالواقع الموضوعي للعالم معرفة استقرائية،